خالد صاغية لا يمكن النيوليبراليّة أن تعيش مع نقابات قويّة. على أحدهما أن يدمّر الآخر. من قطاع الطيران، بدأ الرئيس الأميركي رونالد ريغان ضرب النقابات. ومن الطيران، يستعدّ لبنان للقفز نحو مرحلة جديدة من «تحرير» القطاعات. في 5 آب 1981، اتخّذ رونالد ريغان قراراً ما زالت ارتداداته حاضرةً إلى اليوم. فردّاً على إضراب موظّفي مراقبة حركة الطيران، أعلن طرد قرابة 11000 موظّف من القطاع العام، لم يمتثلوا للعودة إلى العمل. لم يكن لهذا القرار وقعه على أولئك الموظّفين الذين فقدوا وظائفهم وحسب، لكنّه مثّل أيضاً بدايةً للحرب على النقابات. فسرعان ما فهم القطاع الخاص الرسالة، وبدأ خوض معركته مع عمّاله وموظّفيه الذين باتت نقاباتهم تتلقّى الضربة تلو الأخرى، تحت أعين الدولة وتشجيعها. في 2010، وبعد قرابة عقد ونيّف من بدء تطبيق سلسلة من السياسات النيوليبرالية في لبنان، عاد حديث الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص إلى السطح. وها هي وزيرة المال والفريق السياسي الذي انتدبها لوظيفتها الجديدة، يشنّون «حملة تشهير» ضدّ أيّ وزير يعترض على المضيّ بهذه السياسات الظالمة. وكلّ ذلك تحت شعار «تحرير» الاقتصاد. وقد بدأت الموجة الجديدة من هذا «التحرير» في قطاع الطيران. فثمّة في الحكومة، وفي مغارة طيران الشرق الأوسط، من يريد تقمّص دور ريغان في الضرب بيد من حديد في مواجهة الموظّفين المضربين. هكذا، ردّاً على إضراب الطيّارين، عمدت شركة «الميدل إيست» إلى التعاقد مع طيّارين أجانب من الهند وباكستان، لقيادة طائرات الـ«ميدل إيست» بدلاً من طيّاريها الأساسيين، في مخالفة واضحة للقانون. حين يقال «تحرير» القطاعات إذاً، يُقصَد تحرير الشركات من القوانين التي تحمي العمّال والموظّفين. وحين يحدث هذا الأمر في شركة للقطاع العام حصّة كبيرة فيها، نكون أمام إشارة خطيرة ترسلها الدولة للقطاع الخاص، وخصوصاً أنّ القطاعين على أبواب شراكة. إذا انكسر طيّارو «الميدل إيست» اليوم، فستكون الشركات الخاصة في البلاد حرّة طليقة، من الآن فصاعداً، في القضاء على ما بقي من مكاسب لموظّفيها. وسيكون ذلك، تماماً كما حدث في أميركا 1981، برعاية الدولة وتشجيعها.