لا تدعيم للخيار المقاوم إلا بالتزام قضية التغيير

تبرز الى الواجهة عند مراجعة سير أعمال القمة العربية الأخيرة في «سرت» ونتائجها، تساؤلات عدة، أولها سؤال يخطر في بال أي مواطن عربي حول جدوى مثل هذه اللقاءات، سواء عقدت بحضور معظم «المقررين»، أي الرؤساء والملوك العرب أم في غياب معظمهم. والتساؤل الرديف هو: هل رؤساء العرب وملوكهم هم مقررون مثلاً؟ ولا نتكلم هنا عن القرارات الكبرى التي تخص الأمة ومصيرها، بل حتى في التفاصيل اليومية لحياة بلدانهم وربما في حياتهم الشخصية. التساؤل الثاني هو عن مصير المنظمة المعبرة عن النظام الرسمي العربي، تلك المنظمة التي حاول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تحويلها منذ مؤتمر القمة الأول عام 1964 الى إطار للمواجهة العربية في مستوياتها المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هل هي الآن قادرة على تطوير نفسها بهذا الاتجاه أم أنها بعكس ذلك تماماً أصبحت الأداة «الشرعية» لإضاعة الحقوق العربية وخاصة حق الشعب الفلسطيني، كما حقوق لبنان والعراق وسوريا وغيرها من الدول التي تحتل أميركا وإسرائيل كل أراضيها أو بعضها. أما الثروة فإن الأنظمة نفسها تتولى عملية هدرها وتحويلها الى مصدر قوة للمشاريع المعادية. التساؤل الثالث هو عن مهمة القوى المفترض بها مقاومة هذا الاتجاه العربي الرسمي، على تعدد انتماءاتها الفكرية والسياسية، هل أشكال مقاومتها حتى الآن تستطيع فرض ميزان قوى قادر على تغيير اتجاه المؤسسة الرسمية العربية، أم أنها ما زالت عاجزة عن صياغة برنامج يفرض نفسه على روزنامة المؤسسات العربية والعالمية ويحول الصمود والمقاومة الى فعل حقيقي؟ وفي هذا المجال، يصبح ملحّاً سؤال القوى الفلسطينية المختلفة، وفي إماراتها المختلفة: هل استمرار رهانها على دعم هذه الأنظمة يشكل جزءاً من مقاومتها؟ هل التسليم بوساطة هذه الأنظمة في حل الخلافات الفلسطينية الداخلية يؤدي الى تدعيم منطق المقاومة؟ أم يستمر في شغل الشارع الفلسطيني باستقطابات تؤدي الى وضع القضية أو استمرارها رهينة في يد أنظمة هي نفسها رهينة القرار الأميركي الذي تعلن الإدارة الأميركية أولويته شبه الوهمية، الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري، مهما اختلفت (إذا صح ذلك) مع الحكومة الإسرائيلية على «توقيت» الاستيطان وليس على مبدئه. هل يمكن استمرار هذا الوضع في الوقت الذي يعلن فيه معظم القادة أولوية صراعهم ووجهة حرابهم باتجاه إيران وربما غداً باتجاه تركيا، ليس عقاباً لها على ما يمكن انتقادها به، وبالمناسبة هنالك الكثير من القضايا التي يمكن انتقاد إيران على موقفها منها، أولها موقفها من العراق ومن حقوق الشعب الإيراني نفسه، بل إن توجيه الحراب، يأتي منسجماً مع السياسة الأميركية الضاغطة والمحاصرة لإيران نتيجة موقفها الداعم للحق العربي في فلسطين وفي لبنان وتأميناً لرغبة إسرائيل في انتفاء قيام توازن للقوى بينها وبين أية قوة إقليمية عربية أو غير عربية. والسؤال الأهم الناتج من كل تلك التساؤلات، هو: هل هنالك إمكانية بعدُ من الناحية النظرية، لفصل مهمتي التحرير والتغيير في العالم العربي. هل يمكن أن يبقى البعض، بمن فيهم من يحمل خط المقاومة، مصراً على تحييد الأنظمة وحمل قضية مقاومة الهجمة الأميركية ـ الإسرائيلية في الوقت عينه؟ مرة جديدة، تطرح عملية التكامل بين الأوجه الوطنية والقومية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية بقوة في العالم العربي. أصبح الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني من جهة والحديث عن علاقة جيدة مع الأنظمة العربية «الصديقة» لأميركا، كما الحديث عن الرهان على التناقض الأميركي ـ الإسرائيلي، من جهة ثانية، كلاهما مراهنة لا تؤدي إلاّ الى المزيد من خسارة الوقت ومن إضعاف مشروع المقاومة نفسه. إن طرح قضية المقاومة كقضية شعبية ورهان شعبي صحيح، أصبح في ظل قرار الإجازة للتفاوض وفي ظل المسار التراجعي للأنظمة العربية وهو مسار طبيعي، مناقضاً للتعامل الإيجابي وللرهان على تحييد هذه الأنظمة التي كشفت عن وجهها مرات عديدة في «شرم الشيخ» إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006 وخلال حصار غزة المستمر حتى الآن وفي قرار المفاوضات وتشجيع الخلاف الفلسطيني الداخلي، فقد كشفت عن وجهها وطبيعتها الرديفة للمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي. انطلاقاً من ذلك، يصبح الحديث عن إيجاد فصل وهمي بين مهمتي التحرر الوطني وطبيعة الأنظمة، حديثاً قاصراً على أقل تعديل، حتى ولو صدر عن بعض قوى المقاومة، فهو يصدر على الأقل بحكم طبيعتها وبحكم أوهامها. وحتى لا يظنن أحد أننا ننأى بأنفسنا وبقوانا السياسية، سواء كانت في اليسار أو في الإطار الديموقراطي العام أو في القوى الحاملة لواء المقاومة الشعبية في لبنان منذ ما قبل الثمانينيات من القرن الماضي حتى اليوم عن هذه التساؤلات المؤشرة ليس فقط على تخلي الأنظمة وتبعيتها بل أيضاً وبشكل رئيسي على قصور مشاريع المقاومة وحدودها، لا بد من تناول الوضع اللبناني والحالة الراهنة من التأزم الذي يستمر في نخر الكيان الوطني ويهدد وجوده بعد أن رهنت اقتصاده وسيادته في مجالات مختلفة من السياسة الى الاقتصاد الى الأمن. إن ترابط شعاري التغيير والتحرير، يتجلى في لبنان بصوره الأكثر وضوحاً. إذ إن الانتصارات المتتالية والدورية التي حققها شعبنا، متجاوزاً بمقاومته أوهام المفاوضات والاتفاقات الثنائية مع العدو منذ صمود 1982 حتى التحرير الممتد من 1985 حتى 2000 الى صمود 2006 ودفع ثمناً غالياً من دماء شبابه وشيوخه ونسائه وأطفاله، وإن هذه الانتصارات لم تصل الى بناء وطن سيد ومستقل، محصن بانتمائه الوطني. إذ ما زال الانقسام الذي يحضنه النظام السياسي الطائفي قادراً على التهام هذه الانتصارات والعودة في البلد الى ضياع معايير انتمائه الوطني، وما زالت الأطراف المتعاونة مع النظام الرسمي العربي أو المستظلة المشروع الأميركي قادرة ليس فقط على الاستفادة من الفسحة التي تتركها لها طبيعة النظام نفسه بل قادرة على فرض أولوياتها كأولويات وطنية، تضع المقاومة في مواجهة السيادة لا شرطاً لها كما هو مفترض.. وتضع العدو عبر تضييع هويته كمتساو مع دول اخرى مهما كانت درجة العلاقة بهما وتعتبر رهن أمن لبنان للإشراف الأميركي كأنه أمر طبيعي، ناهيك عن الارتهان المالي والاقتصادي للخارج. بل أكثر من ذلك، ما زالت هذه القوى قادرة بحكم النظام نفسه على طرح قضية المقاومة كقضية وحيدة وخلافية على طاولة الحوار وبموافقة قوى المقاومة نفسها التي تجد نفسها تحت وهم حماية المقاومة متخلية عن بديهية المقاومة، المحققة بالتجربة وبالانتصارات. والأخطر من ذلك، عندما نرى هذه القوى ومعها قوى «المعارضة السابقة» تتسابق على الالتفاف على أي خرق إصلاحي ممكن في الطبيعة السياسية للنظام اللبناني، ملتفة على أي بند إصلاحي ذي طبيعة ديموقراطية، من سن الاقتراع الى الإصلاحات في قانون الانتخابات البلدية وخاصة على مبدأ النسبية الذي تم التوافق عليه في مجلس الوزراء وتتبارى أطراف كثيرة متعددة المشارب على الالتفاف عليه في المجلس النيابي. إن البعض يتجاوز في ذلك، حقيقة أن إخفاق هذه المحاولات «الإصلاحية» رغم تواضعها، سيؤدي بشعبنا وشبابنا الى المزيد من اليأس والإحباط وبالتالي يستمر بهم وقوداً لانقسامات ذات طابع مذهبي وطائفي، يضعف من مناعة وطننا وقدرته على التصدي للتآمر الأميركي ـ الصهيوني. كل القوى التي حملت لواء المقاومة على تنوعها مدعوة لتدعيم خيارها المقاوم بالتزام قضية التغيير الذي وحده يثبت انتصارات المقاومة وقدرة شعبنا على التغيير. ولسنا نبالغ في القول، إن دعم المقاومة أصبح مقترناً الى حد كبير بالموقف من النسبية والإصلاح وسن الاقتراع وحق المرأة ومن الموازنة والحقوق الاجتماعية للمواطن. خالد حدادة
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة