أسخف ما في الأمر، عندما تتحدث جماعة سعد الحريري وبقية أطراف 14 آذار عن سبب تصرف حزب الله كأنه متّهم. والأغرب، كيف يقول هؤلاء: لا أحد منا يعرف ماذا سيصدر عن المحكمة، ولا أحد منا يعرف عمّا يجري التحقيق؟ ثم يضيفون بسذاجة المتآمر: أصلاً، كل الحديث عن اتهام حزب الله يخرج من سياسيي وإعلاميي فريق 8 آذار. ولا بأس بظرفهم وهم يختمون: يتصرف السيد حسن على قاعدة «كاد المريب يقول خذوني»! في مكان آخر، يتولى الأمنيون البارزون في فرع المعلومات وفي قوى الأمن الداخلي وفي أوساط عسكرية تعمل الى جانب الحريري، شرح حقيقة الأمر، واستعادة النقاش عما أنجزه فرع المعلومات قبل ثلاث أو أربع سنوات من اختراق كبير على مستوى شبكة الاتصالات، الذي قاد الى الاستنتاج بأن منفذي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هم عناصر من حزب الله أو قريبون منه. ويضيفون: لكننا لسنا معنيين بالأمر، فالملف موجود منذ فترة لدى لجنة التحقيق الدولية، ومن ثم لدى المحكمة الدولية، ونحن لا نعرف الى أين وصلت الأمور. لا بأس هنا من العودة الى الوراء قليلاً. فأول الحكاية كان مع إعلان فرع المعلومات توصله الى وجود شبكة هاتفية أو اثنتين على صلة باغتيال الحريري وآخرين. ثم جرت اتصالات مع حزب الله لاستيضاح الأمر. وبما أن فرع المعلومات يعرف جيداً أن التقارير التي أعدّها في حينه، قد تسرّبت منها نسخ عدة الى جهات عديدة، فإن الفرع يعلم تمام المعرفة أن ما نشرته لاحقاً «لوفيغارو» الفرنسية، ثم «دير شبيغل» الألمانية، ثم «لوموند» الفرنسية وغيرها من الدوريات والمواقع الإلكترونية، كان يستند علمياً الى هذه التقارير. أكثر من ذلك، فإن فريق الضباط الذي كان وراء هذا «الخرق» خضع لتحقيق لدى لجنة التحقيق الدولية، وهو قدّم شروحاً وتفاصيل تركز على اعتبار هوية المعنيين بهذه الشكوك من عناصر حزب الله، بعدما تبيّن لاحقاً أن عناصر الفرع نفسه، كانوا قد سألوا منذ عام 2005 عن أسماء عاد فريق التحقيق الدولي التابع لدانيال بلمار وطلب مقابلة أصحابها في الشهرين الماضيين، علماً بأن فريق المعلومات كان يركّز في حينه، كما لجان التحقيق الدولية، على اتهام سوريا بالوقوف خلف الجريمة. ثم ـــــ وهذا الفريق لا يعرف كما يقول ـــــ يبادر الرئيس الحريري الى إجراء اتصالات بقيادة حزب الله، ويثير مع السيد نصر الله نفسه المسألة من زاوية البحث عن مخرج، ويدعو كما بات معروفاً الى أن يجري العمل بقاعدة أن المنفذين هم عناصر غير منضبطين، أو عناصر سابقون، أو هم عملوا من دون علم القيادة، أو أن جهات اخترقت الحزب وزرعت هؤلاء داخل جسمه الأمني. وبعد الحريري، يتولى دبلوماسيون وأمنيون وإعلاميون يعملون مع الحريري العودة إلى الموضوع من زاوية أن «هوية مرتكبي الجريمة باتت معروفة، وواضح أنهم على صلة ما بحزب الله. ويجتهد هؤلاء في الحديث عن تركيبة الجسم الأمني في الحزب ليصلوا الى القول بأن القائد الجهادي الشهيد عماد مغنية، قد يكون هو المسؤول أو هو تصرف من دون أخذ موافقة القيادة، وهي نغمة كان التائب، لا النائب، وليد جنبلاط قد بدأها قبل استدارته، عندما اتهم مغنية بالاسم بأنه يقف خلف الاغتيالات، وأنه هو من يقود الحزب لا السيد نصر الله. وبعد ذلك، يعود الإعلام الغربي الى التداول بالملف نفسه، ثم يتقرر إخفاء محمد زهير الصديق من جديد ليتم إخراج تصريحات له عبر «السياسة» الكويتية ـــــ ما غيرها ـــــ تشير هذه المرة الى تورط حزب الله، دون سحب روايته عن تورط الضباط الأربعة وعن تورط سوريا أيضاً. لكن بما أن المصالحة السعودية ـــــ السورية تمنع تناول سوريا، فإن الحديث يقتصر الآن على حزب الله، وعلى أحد الضباط الأربعة، أي اللواء جميل السيد ما دام عنوان المرحلة يتطلب ذلك. وغير بعيد عن كل هذه الأجواء، يحلو لنواب من «المستقبل» ومن بقية 14 آذار، الحديث بصوت خافت في المجالس الضيقة: حزب الله هو الذي سيُتهم، وعندئذ سوف ننزع الشرعية عنه وعن كل حلفائه. وحتى لا يثير الأمر نقزة أحد، يخرج هؤلاء جميعاً الى الحديث عن الأمر كأنه حدث عادي ولن يكون له أثر على الوضع في البلاد. وفي الوقت نفسه، تتولى الصحافة الأجنبية، مثل «نيويورك تايمز» تسريب معلومات عن مصادر في المحكمة تشدد «على أن القرار إذا كان يسبّب مشاكل، فإنه على المدى البعيد يحقق العدالة». وبعد كل ذلك، يخرج علينا فريق «المستقبل» وبقيّة فريق 14 آذار بنغمة «أننا لا نعرف شيئاً، وأن المؤيّدين لحزب الله هم من يتحدثون عن قرب اتهامه». لكن هؤلاء يعرفون أن مهمتهم في التسريبات على أشكالها، كما في الاستنتاجات التي خرج بها محققو فرع المعلومات، هي جعل مفاعيل القرار الظني قائمة حتى لو لم يصدر لاحقاً. أي إدخال لبنان في مناخ من البلبلة والتشكيك وإقناع الرأي العام بأن اتهام حزب الله تحصيل حاصل، لكن النقاش هو في موعد إعلان ذلك. وبهذه الطريقة، يمكن هؤلاء إن استفاقوا من تلقاء أنفسهم، أو رمى عليهم أحد دلواً من الماء، أن يقولوا إن عدم اتهام الحزب كان تحت ضغط التهديد، لكن الاتهام هو الحقيقة المنتظرة. وإذا ما قرّر طرف ما التوقف عن هذه الألاعيب، يخرج من بين هؤلاء من يردد عبارة وليد جنبلاط: سنكتفي الآن بالحقيقة لا بالعدالة! يقول المثل الشعبي: قتل القتيل ومشى في جنازته!
ابراهيم الأمين - "الأخبار"