ـ«غمّيضة» العائلات والأحزاب

خالد صاغية

ما إن انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، حتّى اختفى الحديث عن الطابع الإنمائي للبلديات. السياسيون أنفسهم الذين أباحوا لأنفسهم المحظورات في التحالف وتأليف اللوائح بحجّة أنّ المعركة غير سياسية، عادوا وعلّقوا على نتائج الانتخابات مستخلصين منها العِبر السياسية. هكذا انتشى البعض لما اعتبره انتصاراً لخطّه السياسي، فيما جهد البعض الآخر لتبرير خسارته. ميشال عون، مثلاً، رأى أنّ معارك البلديات أثبتت أنّ الرابية لا تزال مرجعية جبل لبنان. وفي المقابل، رأى سمير جعجع أنّ البلديات أثبتت أنّ أكثر من نصف سكان جبل لبنان مؤيّدون لمشروع 14 آذار. لكن، إن كان الوضع كذلك، فلمَ لم تُخَض الانتخابات بشعارات سياسيّة؟ الواقع أنّ وضع العائلات في مواجهة الأحزاب في الانتخابات البلدية ليس دقيقاً تماماً. فالأحزاب في جزء كبير من تكوّنها، ما هي إلا تجمّع للعائلات. قلّة من الأفراد في لبنان هم الذين ينهضون صباحاً ويجرون بعض الحسابات الفكرية والمصلحية، فيقرّرون الانتساب إلى حزب ما. ولذلك، لم تقم معظم الأحزاب السياسية بأي دور لمكافحة بنى المجتمع التقليدية. فشكّلت إطاراً واسعاً لا ينضوي تحته الأفراد، بل الجماعات التقليدية نفسها. لم تنجح الأحزاب تالياً في التحوّل إلى مؤسسات. وهي غالباً ما تُختصَر بشخص الزعيم الأوحد. ويصبح الزعيم هو القناة بين العائلات والطوائف من جهة، وبين أجهزة الدولة من جهة أخرى. فالعائلات بحاجة إلى الزعماء والأحزاب لتتفاهم مع أجهزة الدولة الحديثة، تلك الأجهزة التي يفترض أنّ آلياتها لا تعترف بحقوق جماعة تدعى العائلة، أو بحاجات خاصة لتلك الجماعة. لذلك، يعيش لبنان ما يشبه المفاوضات الدائمة، إذا جاز التعبير، بين الدولة والعائلة. وهي مفاوضات يتولّاها الزعيم شخصياً (ميشال المر نموذجاً) أو الحزب في أحيان كثيرة (حماية أحزاب لبعض المطلوبين من الدولة). ثمّة ما يشبه لعبة «الغمّيضة» بين الحزب والعائلة في لبنان. تتلطّى العائلة خلف الحزب لتفاوض الدولة، ويتلطّى الحزب خلف العائلة ليفاوض القرية. وفيما يقال إنّ العالم يتّجه ليصبح قرية كونيّة كبيرة، ها هو لبنان ينكفئ ليصبح قرية صغيرة. وفي خضمّ ذلك، يحدّثونك عن نسبة الاقتراع!

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة