قد يكون مفيداً للبعض أن يفهم خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس، على هذا النحو: لكل خامس من أيّار سابعه!ثمة مضمون سيلجأ خصوم نصر الله والمقاومة إلى اعتباره بمثابة إعلان حرب، أو تهديد كحد أدنى. ومن دون إطالة، سيعمد أعضاء هذا الفريق إلى القول علناً إنّ نصر الله لا يستند إلى معطيات، ثم يتحدثون عن أنّ التهديد لن ينفع في ثني المحكمة الدولية عن عملها، وذلك انطلاقاً من اقتناع هؤلاء بأنّ المدعي العام الدولي ذاهب حكماً نحو اتهام الحزب أو عناصر منه بالتورّط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.سعد الحريري سيتجنّب شخصياً الرد، أو هذه هي صورة موقفه حتى اللحظة. وإذا ما قرّر الدخول في مواجهة، فهذا يعني أنه يتبنّى موقفاً يضع نفسه فيه في زاوية المتّهم بكلام نصر الله. وعندها سنكون أمام مواجهة من نوع مختلف، تبرز فيه العناصر الخارجية أكثر من التوقف عند السجالات الداخلية. لكنّ الإشارات تقول إنّ الحريري سيترك هذه المسألة للآخرين من حلفائه، من مسيحيّي 14 آذار، وبعض الإعلاميّين الذين يتولّون عادةً النطق باسم الحريري، من خلال وسائل إعلام لا يملكها هو، بل يموّلها فقط.وإلى أن تظهر الأمور على حقيقتها، سيكون الجمهور على موعد مع الجديد الذي سيقدّمه نصر الله، الذي لم يُنهِ حديثه إلا بربط نزاع في الشكل، إضافةً إلى المضمون، فهو قال إنه سيتحدث قريباً عن التحقيق الدولي والمحكمة، وسيعلن موقف الحزب. كذلك فإنه أشار إلى أنّ المسألة المتصلة بالحرب مع إسرائيل ستكون جوهر خطابه في ذكرى انتصار تمّوز، وهو طرح سؤالاً عن علاقة فرع المعلومات بالمشتبه في تعامله مع العدو ش. ق. وقال إنه ينتظر جواب وزير الداخلية، لكنه استدرك قائلاً: لديّ الجواب، لكن لننتظر جواب الحكومة أولاً. ما يعني أن لديه ما يضيفه في ملف الاتصالات من جهة، وفي ملف الموقوف إياه من جهة ثانية.
جوهر المسألة أنّ نصر الله حسم تعريفه لما يُعدّه خصوم المقاومة وأعداؤها داخل لبنان وخارجه، فهو أعطى جميع هؤلاء هوية إسرائيلية، أي هوية العدو، وبالتالي، لمن يعرف الحزب أو تعرّف إليه، فإن الرد على هذه الخطوات متى تحولت وقائع تهدّد المقاومة، سيكون شبيهاً بأيّ رد تقوم به المقاومة ضد العدو. وساعتئذٍ يصبح الكلام عن التوقعات والتقديرات من دون فائدة، أو لملء هواء الشاشات. لكنّ الشرح كان واضحاً لناحية الإشارة إلى أحداث أيار 2008. عندما قال نصر الله إنّ الذين وقفوا خلف القرار الحكومي ضد شبكة الاتصالات السلكية الخاصة بالمقاومة، هم من إسرائيل، والكل يتذكر أنّ الخامس من أيار إياه، سبب ما حصل في السابع منه. إلا أنّ لكل مقام مقالاً، وهو الفارق بين مؤامرة حكومة فؤاد السنيورة على المقاومة، ومؤامرة المحكمة الدولية على المقاومة.
لكنّ ما يجب الالتفات إليه في سياق ما شهده لبنان خلال الأسابيع الماضية الأخيرة، هو أنّ الحرب الأمنية القاسية الجارية مع العدو الآن، دخلت مرحلة جديدة، هي المرحلة التي تتجاوز العمل المباشر، الذي تقوم به إسرائيل كدولة معادية، لتصل إلى الدول والهيئات الدولية والعربية واللبنانية، التي تعمل على تحقيق المصلحة الإسرائيلية في ضرب المقاومة، من خلال فتن داخلية تعوّض عن عجز العدو عن شنّ عدوان جديد في الوقت الراهن. وهي فتن تتجاوز تعطيل المقاومة كوسيلة عسكرية في مواجهة إسرائيل، لتلامس تشويه صورة المقاومة كنموذج تحتذي به الآن المقاومة العربية والإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان، وكعنصر قوة استثنائي تستند إليه حكومات في المنطقة وشعوب.ووفقاً لتقديرات جهات مطّلعة، فإن الموجة المقبلة من الحرب الأمنية التي تدور رحاها بين المقاومة والعدو في لبنان وخارجه، ستشهد تطورات من النوع الذي يؤدّي إلى تصدعات تفوق الزلازل، وخصوصاً عند الاقتراب من ملامسة «أشخاص الفئة الأولى من العملاء»، والمقصود هنا، ليس وجود درجات في العمالة لإسرائيل، بل إنّ هناك مستويات مختلفة من التمثيل السياسي والإداري والوظيفي والاجتماعي للعملاء. إذ إن من أُوقفوا حتى الآن، أو فرّوا من وجه العدالة، هم في معظمهم من الذين يشغلون مواقع تنفيذية في أُطر ومؤسسات رسمية أو خاصة، لكنْ «أشخاص الفئة الأولى»، هم من الذين يشغلون مواقع لصيقة بموقع القرار، إن لم يكن داخل موقع القرار لجهات عدّة في لبنان. وهذا يعني أنّ البلاد مقبلة على حماوة قد تشهد فصلاً من المواجهات السياسية، إذا ما قرّرت الجهات الحاضنة لهذه الفئة من العملاء اعتبار اتهامهم أو توقيفهم أو التحقيق معهم بمثابة خطوة سياسية لا تستند إلى أدلّة، علماً بأنه حتى اللحظة، معظم من أُوقفوا وأُحيلوا على القضاء كانوا قد أقرّوا بعمالتهم بعدما وُوجهوا بأدلة دامغة، وحاول بعضهم إعطاء أبعاد أخرى من خلال نسج قصص مختلَقة من الخيال. وهامش الخطأ الذي ارتُكب لم يتجاوز حدود المنطق، عندما عاد فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وفي مديرية الاستخبارات في الجيش، وأطلق سراح عدد قليل جداً من الذين أُوقفوا لهذه الشبهة، بعدما أظهر التوسع في التحقيق أنْ لا أدلة صلبة تدينهم.ألا يقتضي كل ذلك استنفاراً سياسياً، أم نحن ذاهبون إلى تغيير حكومي؟