حادث فردي

خالد صاغية تتكاثر الأحداث الفرديّة في لبنان. تتكاثر لدرجة أنّه إذا جُمع عددُ الأفراد المسؤولين عن هذه الأحداث الفردية، فسنحصل على مجموع يفوق عدد أفراد الشعب اللبناني. فإن رمت عاملة سريلانكية نفسها من الشرفة، تكون الحادثة فردية. وإن وُجد عامل سوريّ مطعوناً، تكون الحادثة فرديّة. وإن عُلِّقت لافتة تعلن تقديم مريول مجاني مع كل «خادمة» جديدة، عُدّ ذلك خطأً فردياً... آخر تلك الحوادث الفردية حصل في منطقة الأوزاعي. القصّة باتت معروفة. دهمت قوّة من الأمن العام صالة يقيم فيها مواطنون سودانيّون حفلاً خيرياً، فتحوّل الحفل إلى كرنفال امتزجت فيه الفحولة بالعنصريّة. الحادثة، على فظاعتها، كان يمكنها أن تمرّ مرور الكرام. لكنّ تحرّك الشعب السوداني داخل بلاده تضامناً مع مواطنيه، وتضافُر أسباب سياسية واقتصادية، وضعا الحكومة اللبنانية وأطرافاً سياسية عديدة في وضع المجبَر على إدانة الحادثة. ونقول «المجبَر» لأنّ هذه الأطراف عينها لم تحرّك ساكناً لممارسات مشابهة كثيرة. وزير الخارجية علي الشامي رأى أن الحادثة «فردية». السفير السوداني في لبنان إدريس سليمان أراد بدوره أن يكون مهذّباً، فساير المسؤولين اللبنانيين، ورأى أنّ «الحادثة فردية ولا يمكن أن تعبّر عن حقيقة المشاعر التي يكنّها اللبنانيون تجاه إخوانهم السودانيّين». لكنّ الجميع يعرفون أنّ الحقيقة في مكان آخر، وأنّ الحادثة ليست فرديّة مع الأسف، وهي تعكس حقيقة المشاعر التي يكنّها لبنانيّون تجاه إخوانهم السودانيّين. العناصر الذين كلّفوا تنفيذ المهمّة مسؤولون طبعاً عن عملهم المشين. لكنّ هؤلاء العناصر والمسؤولين عنهم عكسوا ثقافة المؤسسات الأمنية في هذه البلاد، لا بل عكسوا الثقافة السائدة في المجتمع ككلّ. فبعيداً من تبادل اللياقات الاجتماعية، وبعيداً ممّا نُقل عن رئيس الحكومة سعد الحريري بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، يعرف الجميع أنّنا نعيش في بلاد يرتفع فيها «دوز» العنصريّة في ظلّ إصرار عنيد على عدم وضع أيّ قانون يجرّمها. السفير اللبناني في السودان، أحمد شمّاط، قرّر أن «يلعبها لبنانيّةً» حتّى النهاية. استنكر الحادثة، لكنّه طالب السودان بالاعتذار من الشعب اللبناني، إذ رأى أنّ شعارات المتظاهرين السودانيين «إهانة للدولة والشعب اللبنانيّين»!

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة