لم تكن متوقعة مشاركة هذا الحشد الكبير في المؤتمر الذي دعت إليه لجنة الدفاع عن المستأجرين القدامى وتجمّع المستأجرين القدامى، في قصر الأونيسكو أمس، إلا أن ارتفاع مستوى القلق من موجة تهجير جديدة جعل من المؤتمر بمثابة تمرين على المعركة التي ستشهدها ساحة لجنة الإدارة والعدل النيابية في حال إaقرارها مشروع قانون تحرير الإيجارات القديمة!
رشا أبو زكي قاعة بلا تهوية في قصر الأونيسكو اكتظت بحشود من المستأجرين جاؤوا للمشاركة في مؤتمر وطني لنصرة قضيتهم، ومعهم عدد من قياديي الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي، وذلك بدعوة لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في لبنان التي كانت لها إنجازات كبرى في الدفاع عن مصالحهم سابقاً، إضافة إلى تجمع المستأجرين القدامى. كانوا شديدي الغضب على السلطة التشريعية، وخصوصاً لجنة الإدارة والعدل التي تتجه لإقرار مشروع قانون تحرير عقود الإيجارات القديمة، فهذا المشروع برأيهم سيؤدي إلى تشريد أكثر من 170 ألف عائلة من محدودي الدخل ويرمي بهم خارج منازلهم... وفي ذروة هذا المشهد، يعتلي المنبر شاب ثلاثيني، يعلن أنه سيتكلّم بالعامية لا الفصحى، ويقول: «لستم وحدكم، لن نسمح بأن يرمى فقراء بيروت في الشارع، لن نسمح باستهداف الطبقات الشعبية والكادحة عبر مشروع القانون الذي يناقَش في لجنة الإدارة والعدل. نحتاج إلى قواكم الضاغطة لعدم إمرار المشروع». النظرات معلّقة على الشاب، والأكثرية لم تُخفِ دهشتها، فالمتكلم هو المحامي الكتائبي فادي الجميّل، ممثل عضو لجنة الإدارة والعدل النيابية نديم الجميل في مؤتمر المستأجرين، جاء ليقترح حلولاً عملية تساعد على مواجهة مشروع القانون، منها منع أو وضع حد كبير لتملك الأجانب في لبنان، للسيطرة على الأموال النفطية التي تتدفق على القطاع العقاري، إضافة إلى حصر الدفاع عن المستأجرين الفقراء ومحدودي الدخل، «إذ ليس من المنطقي الدفاع عن نائب مثلاً وهو مستأجر قديم». أما الاقتراح الثالث، فهو تحفيز أصحاب العقارات على تأجير الشقق عبر سلة من التسهيلات التي تؤدي إلى خلق سوق إيجارات في لبنان. وبين كلمة الكتائب وكلمة الأحزاب الشيوعية والنقابات، كانت أصوات المستأجرين تعلو قائلة: «لن يمر هذا القانون إلا على جثثنا»، «يهمهم الحجر لا البشر»، «ذهنية سوليدير تطرد اللبنانيين من بيوتهم لمصلحة الشركات العقارية»!
الحل: سحب مشروع القانون
الأجواء التي كانت سائدة في المؤتمر لا تشير إلى أي نوع من المساومة، والمطلب الذي رافق الكلمات لم يتراجع إلى ما دون «سحب مشروع القانون من التداول في لجنة الإدارة والعدل»، فمناقشة مشروع قانون تحرير الإيجارات، تأتي في سياق التصاعد غير المسبوق في وتيرة المضاربات العقارية وارتفاع أسعار الشقق ارتفاعاً خيالياً وتصاعد الحد الأدنى لبدلات الإيجار، وفق ما يؤكده الأمين العام للجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين زكي طه، موضحاً أن هذا المشروع يتزامن كذلك مع السعي المحموم من الشركات العقارية الكبرى وشركات المقاولات والمصارف إلى شراء مساحات عقارية للاستثمار والبناء الفخم المعد للبيع بهدف جني الأرباح السريعة. وسأل طه: «لِمَ تتجاهل لجنة الإدارة والعدل طلبنا في عقد لقاء مشترك للبحث في مشروع القانون الذي تعده في الخفاء؟»، داعياً إلى إعادة النظر بالقانون 159/92 الذي ينظم التعاقد الحر وإجراء تعديلات جوهرية عليه لجهة تمديد مدة العقد إلى عشر سنوات، كما هي الحال في العديد من بلدان العالم. وشدّد على أولوية منع إقرار قانون جائر للإيجارات يشرّع تهجير عائلات المستأجرين وتشريدها، ومنع إقفال آلاف المؤسسات والمحالّ التجارية والمهنية والحرفية الصغيرة، والضغط لإقرار قانون عادل للإيجارات القديمة، وإعادة النظر بقانون التعاقد الحر ووضع ضوابط للزيادة والمهل الزمنية بما يحقق الاستقرار الاجتماعي. أما رئيس تجمّع المستأجرين نبيل العرجا، فلم يكن أكثر تساهلاً، فإضافة إلى إعلانه الرفض التام والمطلق لتحرير عقود الإيجار، رأى أنه لا حلول لمسألة الإيجارات القديمة ما لم تتحمل الدولة مسؤولية إيجاد السكن البديل، وذلك لن يكون إلا بتنفيذها خطة إسكانية على مراحل، وتمليكها (عبر الإيجار التملّكي) المدعوم بما يتناسب مع المداخيل المحدودة للناس «وبعد الانتهاء من إسكانهم وتنفيذ كامل الخطة الإسكانية بإيجاد السكن البديل الفعلي على الأرض، نتكلم على التحرير مع إقرار تعويض للمستأجر لا تقل قيمته عن 40% من قيمة ثمن المأجور».
... وأحزاب ونقابات تدعم
الدولة لمَن وفي خدمة مَن؟ ألا يجب أن تكون لشعبها وفي خدمة هذا الشعب؟ تسأل نائبة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ماري الدبس. ومن ثم تجيب بنفسها: «الدولة في لبنان وُضعت تحت تصرف بعض ذوي النفوذ والحظوة، من أصحاب الشركات المالية والعقارية الذين يتحكّمون بكل شيء»، وتشرح الدبس أن أول مرة «واجهنا فيها محاولة لتحرير العقود السكنية كانت في عام 1991، بالتزامن مع إقرار شركة سوليدير ومحاولة القيّمين عليها التفلّت من حقوق عشرات ألوف المستأجرين في مجالي السكن وغيره. فكيف هي الحال اليوم، بعد أُتبعت سوليدير بعدة شركات مماثلة، وبعدما أقرّت قوانين تبيح استملاك الأجانب دون أية عوائق تذكر؟». ورأى عضو القيادة في منظمة العمل الشيوعي خالد غزال، أن مشروع قانون تحرير الإيجارات «خطير جداً»، والمعركة ستكون مفتوحة وشرسة، والاتجاه يجب أن ينصبّ نحو تجييش القوى السياسة والاجتماعية للالتزام بقضية شعب يُهَدَّد حتى بالمسكن. أما ما يثير استغراب رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، فهو ـــــ بحسبه ـــــ هذا «الجهد الاستثنائي لأعضاء لجنة الإدارة والعدل» في المجلس النيابي لتسريع إمرار قانون جديد للإيجارات يلغي الحق بالسكن الذي يكفله الدستور، فيما تغيّب لجنة حقوق الإنسان، وهي المعنية المباشرة باحترام هذا الحق. وكذلك رأى رئيس الاتحاد الوطني للنقابات كاسترو عبد الله أن مشروع قانون الإيجارات الجديد هو مشروع تهجيري لأكثر من 170 ألف عائلة على كل الأراضي اللبنانية، بهدف تحويل المدن إلى سوليدير كبرى.
200 ألفهو عدد المستأجرين القدامى وفق تجمّع المستأجرين القدامى، بينهم 170 مستأجراً من ذوي الدخل المحدود والفقراء، الذين يرى التجمّع أنّ مشروع القانون، الرامي إلى تحرير عقود الإيجارات القديمة بالصيغة الموجود بها في لجنة الإدارة والعدل، سيؤدّي إلى تهجيرهم
ماذا عن الوحدات غير السكنية؟أثار تجمّع المستأجرين القدامى موضوع الإيجارات المتعلّقة بالوحدات غير السكنية، لافتاً إلى أنّ هناك حقوقاً للمستأجرين انتُهكت عبر تشريعات سابقة بفرضها مضاعفات مبالغاً فيها، وعشوائية، وزيادات متلاحقة وظالمة وموادّ قانونية هدّدت الملكية التجارية، وأفرغتها من محتواها وقيمتها، واغتصبت حقوق المستأجر، الذي سدّد خلوات باهظة ممّا اضطره إلى الاقتراض وبذل الجهود المضنية لتسديد القروض، ثم أضيف مجهود كبير في تحسين الموقع والشارع والمنطقة، كما بُذلت تضحيات كبيرة في مراحل الأزمات الأمنيّة والاقتصادية.
عدد الجمعة ٢٥ حزيران ٢٠١٠ |