الجيش والقوة الدوليّـة: تفسير متناقض لقواعد الاشتباك

مبرّرات الحوادث ومؤشراتها ظهرت في المرحلة الانتقالية بين انتهاء  مهمة غراتسيانو وبدء مهمة خلفه أسارتا (أرشيف - أ ب)ما خلا بضعة مواقف أدلى بها قائده العماد جان قهوجي يوم الاثنين، بعد اجتماعه بقائد القوة الدولية في الجنوب الجنرال ألبرتو أسارتا، لم يقل الجيش كلمته في ما حدث في الأسبوعين المنصرمين في الجنوب

نقولا ناصيف التزام المؤسسة العسكرية الصمت، وتفاديها شرح ما وقع أو اتخاذ موقف، عبّر ضمناً عن موقف مكتوم. لم تشأ الدخول في سجال مماثل للذي دار بين قيادة القوة الدولية وحزب الله، وبين السياسيين الذين دعموا هذا الفريق أو ذاك، واكتفت بتوجيه رسائل إليهما عكست التسوية التي انتهى بها يوم السبت الفائت الاتفاق بين الجيش وقيادة القوة الدولية. ظاهر الاتفاق البنود الآتية: كان الوجه الآخر لهذا الاتفاق تسوية لم تُشعِر أياً من فريقي المواجهة، القوة الدولية وحزب الله، أنه خسر هيبة موقعه ودوره جنوبيّ نهر الليطاني، وهي العودة بالوضع في هذه المنطقة إلى ما قبل الأحداث الأخيرة. وهكذا بدا ما حصل كأنه سوء تفاهم عابر متبادل، بعدما أكد الطرفان تمسّكهما بالقرار 1701 وعلاقة حسن الجوار واستمرار مهمة القوة الدولية جنوبيّ نهر الليطاني. على مرّ هذه الحوادث، لم يُطرح مرة احتمال إنهاء مهمة أي من وحدات القوة الدولية ولا التهديد بذلك. ولا بدا حزب الله ـــــ في نظر الجيش على الأقل ـــــ يقدّم ذريعة مجانية لمشكلة خطيرة مع القوة الدولية، ولا سبّبها سلاحه تحت أرض القرار 1701. ورغم أن الأزمة تلك نشبت بين القوة الدولية وحزب الله، ومن خلاله السكان، فإن تسوية السبت اقترنت بتفاهم الجيش والقوة الدولية، من غير أن يبدو الحزب طرفاً مباشراً في ما حصل. لم يطلب منه الجيش سوى إشاعة الاطمئنان لدى الأهالي لتطبيع علاقة كانوا قد خبروهما مع رجال القبعات الزرق بتفاوت منذ عام 1978. أما باطن التسوية، فهو أن الجيش لم يكن راضياً عن الطريقة التي أدارت بها القوة الدولية وحزب الله، مباشرة أو عبر السكان، التوتر المتنقل بين قرى الجنوب لأسباب: أولها، أن مبرّرات الحوادث ومؤشراتها ظهرت بداية في المرحلة الانتقالية بين انتهاء مهمة القائد الإيطالي السابق للقوة الدولية الجنرال كلاوديو غراتسيانو وبدء مهمة خلفه الإسباني الجنرال ألبرتو أسارتا. في الأعوام الثلاثة الماضية التي قاد فيها غراتسيانو القوة الدولية، وقعت حوادث مشابهة لم تتفاقم نتائجها، ولا بالغ طرفاها في التصعيد، وأمكن تطويقها كمشكلات محتملة يمكن أن تقع بين جنود دوليين وحزب الله، أو بينهم وبين أهالي البلدات المشمولة بمنطقة عمليات القرار 1701. في المرحلة الانتقالية التي استمرت شهرين، لاحظ الجيش أن ضباطاً كباراً في قيادة القوة الدولية سعوا إلى اتباع قواعد جديدة في ممارسة هذه القوة صلاحياتها وأدائها مهمتها، وبدا الأمر اجتهاداً من ضمن التفسير غير الملتبس لقواعد الاشتباك التي درجت القوة الدولية منذ عام 2006 على التزامها في دورياتها في البلدات الجنوبية. عَكَسَ هذا الاجتهاد، تبعاً لما لمسه الجيش، تعاطياً مختلفاً تمثّل أولاً في التصرّف بفردية غير مسبوقة في مهمات القوة الدولية المكلفة وفقاً للقرار 1701 مساعدة الجيش على بسط الشرعية اللبنانية جنوبيّ نهر الليطاني، وثانياً في خفض مستوى التنسيق مع الجيش، ما أوحى أن عمل القوة الدولية يسعه أن يكون مستقلاً عن عمل الجيش، انطلاقاً من أن للقوة الدولية حق ممارسة حرية التحرّك في تنفيذ قرار مجلس الأمن. في المقابل، كانت للجيش وجهة نظر مختلفة، هي أنه هو صاحب الأرض، وهو الذي يقدّر كيفية التصرّف والتحرّك من ضمن القرار 1701. ثانيها، الدور الذي اضطلع به رئيس أركان القوة الدولية، وهو الرجل الثالث في سلّم هرميتها ويكون غالباً فرنسياً، وقائد الوحدة الفرنسية الجنرال فانسان لافونتين في مجموعة تحرّكات قامت بها وحدته، لم تحظَ دائماً برضى الجيش. انتهت مهمة لافونتين أمس، وينتظر أن يغادر لبنان قبل نهاية هذا الأسبوع بعدما وصل خلفه البارحة إلى بيروت، إلا أنه أربك الجيش في الأسبوعين الأخيرين، وخصوصاً في المرحلة الانتقالية بين مغادرة غراتسيانو ومباشرة أسارتا مهماته. لم توافق المؤسسة العسكرية على عدد من الإجراءات التي اقترحها لدوريات الوحدة الفرنسية كأن تتجوّل في أحياء ضيقة وبآليات ثقيلة غير مألوفة، وتعمّد التصوير في بلدات أثار بدوره قلق حزب الله الذي لاحظ، بشكوك، تكثيف الجنود الفرنسيين دورياتهم والتصوير في بلدات شهدت اشتباكات وتماساً حاداً بين الحزب والجيش الإسرائيلي في حرب تموز 2006. ورغم أن الحزب لفت الجنود إلى عدم تحبيذه تصوير هذه البلدات، لم تكترث الدوريات الفرنسية. عزّز ريبته ما سمعه الحزب من جنود آسيويين، ماليزيين وإندونسيين، عاملين في القوة الدولية من أن القيادة الأوروبية لا تسمح للجنود الآسيويين في الانتشار والتحرّك على الخطوط الأمامية، المنوطة بالوحدات الأوروبية وأخصّها الفرنسية. ثالثها، أن السكان بالغوا بدورهم في ردّ الفعل حيال دوريات 1 ـــــ زيادة التنسيق العملاني بين قيادتي الجيش والقوة الدولية. 2 ـــــ دوام التواصل على امتداد 24 ساعة، وتطويق كل حادث صغير أو عابر تجنّباً لتحميله أي تفسيرات أو تردّدات. 3 ـــــ اتخاذ خطوات إجرائية للعودة بالوضع إلى ما كان عليه في البلدات التي شهدت توتراً بين سكانها وبين الجنود الفرنسيين، بهدف إعادة بناء الثقة بين الطرفين.

الوحدة الفرنسية على نحو ضاعف وطأة التوتر. في جانب من هذا التصعيد دور اضطلع به حزب الله، سواء عبر مسؤوليه الكبار أو مسؤوليه المحليين في رفع نبرة التوتر وإصراره على إبقاء مهمة الجنود الدوليين في نطاق ما اعتادوه منذ عام 2006. كان ذروة ما قيل هو ما أدلى به رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، الأحد، بإعلانه أن الحزب لن يسمح للقوة الدولية بحرية تحرّك خارج نطاق المهمة الفعلية لها والتنسيق الكامل مع الجيش. رابعها، أن الجيش لم يكن راضياً تماماً عن بعض إجراءات الوحدة الفرنسية، ولم تكن البيانات التي أصدرتها قيادة القوة الدولية عن التنسيق بينها وبين المؤسسة العسكرية، في معرض الردّ على انتقادات، تعبّر عن حقيقة موقف الجيش من هذا التنسيق. لم يعنِ الإعلان عن التنسيق مع الجيش على إجراءات معينة أن الجيش كان قد وافق عليها لمجرد أنه أخذ علماً بها، ولا القرار 1701 يتحدّث عن تنسيق بين القوة الدولية والجيش في نطاق إطلاع الأخير على ما تعتزم القوة الدولية، أو تقرّر القيام به. في هذه المسألة بالذات، وقع تناقض بين وجهتي نظر الطرفين المعنيين بالتنسيق. عارض الجيش بعض الإجراءات، فلم توافقه الوحدة الفرنسية على رأيه، عندئذ انتقل الصدام إلى الشارع. وهو مغزى التسوية التي أعادت المؤسسة العسكرية تثبيتها السبت في اجتماع قيادة القوة الدولية مع مديرية الاستخبارات في الجيش، عندما تقرّرت العودة إلى التقيّد بقواعد الاشتباك المنصوص عليها في القرار 1701، والمعمول بها منذ عام 2006. كان الجنرال أسارتا قد أسرّ إلى الجيش بوقوع خطأ في التنسيق معه، في معرض تأكيد تمسّكه بالقرار 1701 وتطبيقه بتفاصيله كاملة. والواقع في نظر الجيش أنّ القوة الدولية لا تستطيع تنفيذ مهمتها دون التنسيق معه، الأمر الذي يقتضي أن يفضي إلى تفاهم الطرفين على هذا التنسيق من ضمن وجهة نظر مشتركة إليه، غير ملتبسة ولا مفتوحة على اجتهادات غير مسبوقة. يؤيد الجيش حرية تحرّك القوة الدولية من ضمن الضوابط التي تنصّ عليها قواعد الاشتباك، فيما نظرت القوة الدولية، ولا سيما ضباط الوحدة الفرنسية، إلى أن حرية التحرّك ينبغي أن تكون مطلقة وأن لا تلقى أيّ تحفظ أو اعتراض من حزب الله أو الأهالي.

اليونيفيل تعمل لتوضيح موقفها

نيويورك ــ نزار عبود شدّد المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان الحق، على أن قوات اليونيفيل لم تتصرف من تلقاء نفسها في المناورات التي أجرتها مطلع الأسبوع الماضي في عدد من بلدات جنوب لبنان، وأن الجيش اللبناني الذي لم يشارك فيها كان على علم كامل ومسبق بتفاصيلها. ونفى الحق أن يكون لديه أي علم باستفزازات مارستها قوات اليونيفيل من نوع اجتياح حقول زراعية بالآليات وتدمير موارد رزق الأهالي. ورأى أن اليونيفيل «اتخذت خلال عملياتها التي جرت قبل أكثر من أسبوع عناية خاصة لتقليص الإزعاج والمضايقة للمواطنين. وتبذل اليونيفيل بالتعاون مع الجيش اللبناني كل جهد من أجل التحاور مع الأهالي وتوضيح طبيعة نشاطها لهم. وكما تذكرون، عقد مايكل وليامز (المبعوث الخاص للأمين العام) الأسبوع الماضي لقاءً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ونقل إليه قلقه حيال بعض الأحداث المحلية التي أدّت إلى عمليات الاعتداء على اليونيفيل». فرحان الحق رفض الرد صراحة على حق اليونيفيل في إطلاق النار على الأهالي، وأكد أن ولاية اليونيفيل تنصّ على حماية الأهالي كما ورد في القرار 1701. وفسّر قوله بأن «ولاية اليونيفيل منصوص عليها في قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما القرار 1701. واليونيفيل هناك من أجل حماية المدنيين، هذا جزء من ولايتها. ولن أزيد على ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي». ورداً على سؤال «الأخبار» عن تفسير قيادة اليونيفيل لتدمير الكتيبة الفرنسية حقول التبغ في عدد من القرى الحدودية جنوب لبنان، نفى علمه «بأي نشاط تدميري قامت به قوات من اليونيفيل. والمناورات التي يقومون بها كانت مصممة في الأساس للحصول على صورة واضحة عن القدرات العسكرية القائمة على الأرض... كان هناك سوء نقل وفهم، واليونيفيل تحاول توضيح موقفها وتعمل مع الأهالي على الأرض لتوضيح موقفها، وهم يفعلون ذلك في وقت وقع فيه سوء نقل».

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة