%لا %12 50

يقال في ما يشبه التهديد إنّ أولويّات الناس هي الهمّ الأساسي للحكومة، وإنّ توفير هذه الأولويّات يحتاج إلى أموال، وإنّ مصدر هذه الأموال هو المزيد من الضرائب. فإمّا أن يسهّل الأطراف السياسيّون مجتمعين فرض هذه الضرائب، وإمّا أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم في حرمان الناس ما يحتاجون إليه. وفي تعداد الأولويّات، يجري ذكر الكهرباء، الاستشفاء، التعليم، الطرقات، البيئة... وتجري الإطالة في هذه اللائحة من دون الانتباه إلى أنّ الإطالة إنّما تُسقط منطق وجود أولويّات في الأصل. فلا يمكننا التحدّث عن أولويّات، حين نتطرّق إلى عشر مسائل دفعة واحدة. كذلك لا يمكننا الحديث عن سياسة اقتصادية حين ننفي وجود أولويّات، يتبعها ما هو أقلّ أولويّة. لقد كان رفيق الحريري أكثر جذريّة من ابنه حين بدأ فرض الضرائب. فلقد نسف من البداية المنطق الاقتصادي نفسه، معلناً أنّه ما من أولويّات عندنا، فاللبناني يحتاج إلى كلّ شيء. ما لم يقله آنذاك، هو أنّ الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى هم الذين سيدفعون مقابل كلّ شيء، أمّا الأثرياء، فسينعمون بالجنّة الضريبيّة. ولم يكن ينقص تلك الجنّة إلّا حور العين، وقد جئن بالفعل إلى فنادق فخمة تحوّلت إلى مواخير. ثمّة ما هو أسهل من مطالبة القوى السياسيّة المتناحرة بتحمّل مسؤوليّاتها. فلنطالب طبقات الشعب اللبناني كافّة بتحمّل المسؤوليّة، كلّ حسب طاقته. فتُفرَض الضرائب والرسوم الجديدة على الشرائح ذات الدخل الأعلى، ما دام الآخرون يتحمّلون أصلاً أعباء الرسوم السابقة. حتّى رفع معدّل الضريبة على القيمة المضافة، يمكن إقراره حتّى لا يبقى «بِعَين» أحد. لكن، فليُقَرّ على مجموعة السلع التي لا يستهلكها إلا الأغنياء. فلتُفرَض TVA 50% لا 15% فقط على السيغار والكافيار واليخوت... عندها، يصبح من الصعب الاعتراض، حتّى لو من باب النكاية، على السياسات الاقتصادية الجديدة. تأمّلوا كم هو جميل أن تبني الدولة مستشفى حكوميّاً جديداً في قرية نائية، من أموال جنتها بسبب الضريبة على سيّارات «البورش» الجديدة. أو أن تُوفّر الكهرباء 24 على 24 لأنّ المستهلكين الكبار يدفعون تعرفة أعلى من المستهلكين الصغار. أو أن تُبنى طرقات جديدة تدفع كلّ سيّارة تمرّ عليها خمسة آلاف ليرة فقط لا غير، شرط أن تكون السيّارة «موديل السنة». هذا لا يسمّى اشتراكيّة، ولا حتّى طرحاً راديكاليّاً. هذا يسمّى مشاركة المجتمع في تحمُّل مسؤوليّاته، وأداء الدولة دورها في حماية ضحايا السوق، ويسمّى أيضاً سياسة ضريبيّة عادلة. عندها، سيوفّر الرؤساء على أنفسهم رحلات التسوّل الدوريّة التي يقومون بها إلى الخليج، وإلى باريس 4... والأربعين حرامي.

 

خالد صاغية

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة