تكتيكات القوى الأمنية في وصف قسم من المتظاهرين على أنه «مخرِّب» أو «مندسّ» لم ينجح بعد، ولا يبدو أنه سيردع المواطنين عن المشاركة في تحرك يوم السبت المقبل، الذي يتوقع أن يكون حاشداً، ويشارك فيه جميع المجموعات التي تنشط منذ 22 آب، ويبدو أن عنف السلطة سيكون محفّزاً للكثيرين ليكونوا جزءاً من الحراك الشعبي ضد السلطة السياسية
حسين مهدي - الاخبار
أكدت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أمس، غير مرة «احترامها الكلّي لحق المواطنين في حرية التعبير والتظاهر السلمي». هذا الاحترام ترجمته اعتقالاً لأكثر من 80 متظاهراً في وقت متأخر من ليل أول أمس، توزعوا على مخافر قوى الأمن ومركز لمخابرات الجيش، إضافة إلى عشرات الجرحى، جراء الاعتداء الهمجي والممنهج ضدهم.
«النظام يخشى أي تحرك شعبي، يخاف نزول الفقراء الذين يعانون من كل هذا الفساد الذي تمارسه السلطة، يخشى منهم فيعمل على الاعتداء عليهم». الكلام لأيمن مروة، الناشط في حملة «بدنا نحاسب» الذي تعرض أمس للاعتداء الوحشي من قبل القوى الأمنية وعناصر مكافحة الشغب، واعتُقل ثم أُفرج عنه في الليلة نفسها. جريمته أنه كان يقف حاجزاً بين القوى الأمنية والمتظاهرين لتجنب أي صدام بين الطرفين. مروة قال إن «معركتنا ليست مع القوى الأمنية، بل مع السلطة التي لا تستطيع أن توفّر الحد الأدنى من حقوق للمواطنين بكل أطيافهم وفي كل المناطق. وإن أزمة النفايات وأزمة الكهرباء وكل الأزمات الحياتية والاجتماعية لا تتعلق بفئة معينة أو منطقة معينة أو طائفة معينة». ودعا مروة «كل مواطن إلى أي حزب أو طائفة انتمى، إلى المشاركة في هذه التظاهرات»، سائلاً: «كيف يمكن جماهير الأحزاب السياسية ألّا تنزل وتشارك بموقف واحد أو كلمة واحدة، وتطالب بحقوقها، وترضى العيش بكل هذا الذل؟».
كلام مروة جاء خلال مؤتمر صحفي عقدته حملة #بدنا_نحاسب في ساحة رياض الصلح، لشرح ما حدث أول أمس من اعتداء وحشي مقصود على المتظاهرين. فبعد أن توقف أول أمس البث المباشر من قبل محطات التلفزة، طوّق عناصر من الجيش اللبناني المداخل المؤدية إلى وسط المدينة، ثم باشرت القوى الأمنية وعناصر مكافحة الشغب بالاعتداء بشكل همجي على ما بقي من متظاهرين.
وتؤكد معلومات مسربة، أن الأوامر بالضرب التي أعطيت لقوى الامن الداخلي، لم تأت على خلفية عمليات تكسير وحرق قام بها «مخربون» بحسب ما حاولت أن تشيع، خاصة أنها كانت تكتفي بتصوير هذه الحوادث كما لو أنها تنتج فيلماً وثائقياً. تحاول القوى الأمنية أن تربط بين الهمجية التي مارستها على المتظاهرين وبين أعمال الشغب، وهذا ما يشير إليه الاستهداف المباشر لمنظمي الحراك الشعبي والصحفيين والمواطنين الذين يثابرون يومياً على الحضور إلى ساحة رياض الصلح، هذا وقد أجبرت القوى الأمنية المعتقلين على إجراء فحوصات مخدرات، في محاولة فاضحة لتشويه صورة الحراك ومنظميه. وتجدر الإشارة إلى أنه أُفرج عن قسم كبير من المعتقلين في مخافر الباشورة والروشة وميناء الحصن وفصيلة الشام، أما المعتقلون لدى مخابرات الجيش، فلا أحد يعرف شيئاً عن حالهم، ومن بينهم قاصرين، يخضعون حالياً للتحقيق من قبل مكتب مكافحة الشغب لدى فرع مخابرات الجيش. أما باقي المعتقلين، فيتوقع تحويلهم إلى المحاكمة أمام المحكمة العسكرية بعد ختم محاضر التحقيق معهم.
انتهاكات القوى الأمنية
حملة #بدنا_نحاسب أعلنت نيتها رفع دعاوى قضائية «على كل من تعرض لنا بالاعتداء من القوى الأمنية، لمحاسبتهم على قمع المتظاهرين»، خاصة أن الكاميرات الموجودة في المنطقة والفيديوهات التي نشرها عدد من المواطنين وثّقت هذه التجاوزات. وقد طلبت الحملة من جميع الذين تعرضوا للاعتداء توكيل المحامين الذين تطوعوا للقيام بهذه المهمة. المحامية رانيا غيث تشرح لـ»الأخبار» سلسلة من التجاوزات التي قامت بها القوى الأمنية، فتقول إن حدود تدخلها إن وجدت هناك إخلالاً أو تهديداً للنظام العام، وهذه أساساً ليست حال مساء أول أمس، لا يمكنه أن يصل إلى حد التعرض لحياة المواطنين، وهذا التجاوز الذي قامت به السلطة مقصود لترهيب الناس من جهة وجعلهم في مواجهة القوى الأمنية من جهة ثانية، وفق ما تقول غيث. التجاوزات لا تختصر بالاعتداء على المتظاهرين، بل في مرحلة اعتقالهم. فقد منع عدد من المعتقلين من التواصل مع ذويهم ومن التواصل مع أي محامٍ، كذلك جرى ابتزازهم من خلال إجراء فحص مخدرات على نفقة المعتقل نفسه، ومن رفض الخضوع لهذا الفحص، لأسباب مادية، هدد باتهامه بتعاطي المخدرات. وهناك انتهاك آخر يتمثل بتوجه القوى الأمنية إلى المستشفيات لأخذ أسماء الجرحى، والطلب من أحد الحرجى إجراء الفحص مباشرة من المستشفى، وإلا يُلقَ القبض عليه بتهمة تعاطي المخدرات. مخالفة أخرى تسجل على مخابرات الجيش اللبناني، التي ترفض التصريح عن المعتقلين لديها، كذلك يفترض بها بحسب القانون إحالة هؤلاء المعتقلين مباشرة إلى أقرب مخفر للمكان الذي جرت فيه عملية الاعتقال. تجاوز آخر للقوى الأمنية تمثّل بالاكتفاء بتصوير بعض أعمال الشغب، دون أي تدخل لردعها، ولا يعني ردع هذه الأعمال استخدام العنف كوسيلة، إلا أن القوى الأمنية أصرت على التفرج على ما يحصل، رغم أن مسؤوليتها الأساسية حماية المتظاهرين. وتتحدث رانيا عن أن في كل ما حصل من تجاوزات، هناك انتهاك خطير وجسيم للحريات العامة والحق في التظاهر. ويزور اليوم وفد من المحامين المدعي العام التمييزي، لسؤاله عن سبب التأخر والمماطلة في إصدار قرارات إخلاء السبيل، إضافة إلى توجيه رسالة للقضاء بأن التظاهر هو حق، واجب على السلطة القضائية حمايته، لا أن تكون شريكة في قمعه.
مسيرة تضامنية مع محمد قصير
نظمت أمس مسيرة عند الساعة السادسة مساءً من ساحة رياض الصلح إلى مستشفى الجامعة الأميركية للتضامن مع الجريح محمد قصير، تخللته كلمة ألقتها الناشطة وفاء العريضي لفتت فيها إلى أن «البلد مقسوم اليوم إلى قسمين: الشعب وتجار السياسة»، وقالت العريضي إن الحملة لا تؤمن بالفوضى، «لكننا لا نؤمن بأنّ هناك نظاماً في الأساس»، داعياً إلى المشاركة الكثيفة في التحركات الشعبية، وبالأخص تحرك نهار السبت. وكانت هناك كلمة لأحد أفراد عائلة قصير، شكرت فيها جميع المتضامين. والجدير ذكره أن حالة قصير الصحية «حرجة جداً» إلا أنها مستقرة، وفق ما يشير مصدر طبي. كذلك قامت حملة «طلعت ريحتكم» التي غابت عن تحركات اليومين الماضيين، بمبادرة إضاءة شموع في ساحة رياض الصلح مساءً تضامناً مع الجرحى القابعين في المستشفيات. وفيما لا يزال العديد من النشطاء يسعون إلى توحيد جهود مختلف الحملات والمجموعات التي تنشط بشكل مكثف منذ تظاهرة 22 آب، يبدو واضحاً أن هناك فصلاً تاماً بين تحركات الحملتين الأبرز «طلعت ريحتكم» و «بدنا نحاسب»، لكن مصادر متابعة للجهود التنسيقية أكدت أن الجميع سيكون حاضراً في التظاهرة التي ستقام عند السادسة من يوم السبت المقبل، والتي لا يزال مسارها غير معلن لأسباب أمنية ولوجستية.