سعدى علوه - السفير
«سأروي حتى أرتوي.. اكتب لأني أظنك تقرأ.. أناديك لأني أظنك تسمع.. أراك في أحلامي وأقبلك.. تعال نغمض أعيننا، نحلق ونحتضن الحياة.. لم نصنع أيامنا بخاطرنا.. لو كانت الأرواح تهدى.. الآلاف مفقودين والآلاف عم يفتقدوهم». وقفت أميمة الخليل، في تسجيل من خمسين دقيقة، على خشبة المسرح، في مقابل مقاعد فارغة، تقرأ دعماً لحق أهالي المفقودين خلال الحرب الأهلية بالمعرفة. هي نفسها.. لم تبدّل تبديلا. حملت لافتة في شارع بدارو، رافعة الصوت لإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري، إلى جانب الآلاف. قبله، سارت في تظاهرات إلغاء النظام الطائفي، ونادت بحق المرأة اللبنانية بمنح جنسيتها لأسرتها.. وغيرها من القضايا المحقة. أحدث وقفاتها كانت أمس على مسرح «الجمعية المسيحية للشابات»، تشدو تكريماً للمناضلة المخضرمة ليندا مطر. قبل أمس، نادراً ما غابت الفنانة أميمة الخليل عن نشاط مناصر لقضية محقة، أو تكريماً لشخصية تستحق. حفلاتها لدعم إذاعة «صوت الشعب» كثيرة، وغيرها من المؤسسات الخارجة عن الإصطفافات والإستزلام ورأس المال. تناصر هذه القضايا من «القلب، وعن اقتناع وتصميم، لا أحب الظلم». من يراقب نشاطها الملتزم بالقضايا، يرى أنه يشغل من وقتها مساحة أكبر من التي تخصصها للحفلات المدفوعة. «أحاول أن ألبّي جميع هذه الدعوات الهادفة إذا سمحت الظروف». يسعدها أن يراها الناس في هذا المكان «يسرني أن يكون صوتي وفني في خدمة أي قضية». لم تخرج صاحبة ألبوم «أنشودة المطر»، الذي نفدت طبعته الأولى من الأسواق، من المرأة فيها. المرأة التي تشبه النساء العاديات، برغم مسيرة فنية غنية ورائدة فاقت الخمسة وثلاثين عاماً، وبرغم الأضواء والمسارح ودور «الأوبرا» التي وقفت فيها إلى جانب الفنان مرسيل خليفة، أو وحدها، وخصوصاً مؤخراً. ما زالت أميمة، المقاومة، بالعزم نفسه والروح ذاتها والخط المستقيم المتصاعد عينه. والأهم أنها لم تختزل حضورها بالفنانة. لم تجلس في برجها العالي بعيداً من الناس. هي هنا بيننا. تصادفها في الشارع فتدعوك إلى وجبة اليوم: «لبن أمه». تلتقيها في تظاهرة مطلبية فتسألك عن مشاريعك المسائية، لتقبل دعوتك، أو تدعوك إلى جلسة على رصيف أحد مقاهي بيروت، أو لرحلة في الجبل والجرود، وربما نحو الجنوب. المهم، أنها هنا بين الناس، الناس الذين يتابعونها ويحبونها كما هي، حاضرة أبداً، لم تتغرب بعيداً في عالم الشهرة والأضواء. وهناك، في الفضاء الإفتراضي على صفحات «فايسبوك» و «تويتر»، تتابعها فتجدها قد سبقتك ربما، وقد ترسل طلباً لإضافتك إلى لائحة أصدقائها. تعلق، تتفاعل مع «بوستات» الآخرين، وتتنقل أصابعها بـ «اللايك» على ما يعجبها مما هو جميل وهادف ويستحق. وهنا، في العالم الحقيقي، وذاك الافتراضي، ستراها على طبيعتها. امرأة، لا تشبه كثيرات من النساء، النساء اللواتي يخصصن كثيراً من أوقاتهن للاهتمام بالسطحي من الأمور. تراها، على طبيعتها من دون تبرج وابتذال، ولكنها تحرص لدى اعتلائها المسرح على أناقة «السهل الممتنع» ببساطة ساحرة. تضحك من قلبها حين تناقشها بعلاقتها مع التقدم في السن وهاجس نساء كثيرات من التجاعيد، ومعها «بوتكس» التحايل على العمر: «يصبح وجه المرأة مع البوتكس كالشمع، من دون حياة، وتتحول إلى تمثال». يقتصر اهتمامها، بالنسبة إلى الشكل، على هاجس واحد «لا أحب زيادة الوزن». وغير ذلك تحب أن تكبر بـ «هيبة»: «لم تكن أمي تفعل أي شيء، بالكاد كنا نصبغ لها شعرها، وكانت تبدو جميلة». ما يعزيها «أن الجميع سيكبرون، لن يبقى أحد صغيراً». تطمح أميمة المواطنة الى أن «نعمل معاً وطناً حقيقياً». وتريد أميمة المرأة «أن ترى النساء يشغلن مواقع متقدّمة، ربما رئيسة جمهورية، ولكن بكفاءاتهن وليس بالوراثة». وتحب أميمة الفنانة أن تقف وحيدة، متكلة على ما راكمته عبر تجربتها مع خليفة وغيره، «على مسارح وقفت عليها مع مرسيل، كقرطاج وبيت الدين وبعلبك ودور أوبرا عالمية».
ثلاثة أعمال جديدة
تزخر جعبة أميمة الخليل الفنية بمشاريع جديدة تكرّس معها مسيرتها الفردية التي راكمتها مؤخراً، من دون أن تنسى أو تتخلى عن تجربتها مع الفنان مرسيل خليفة: «أنا حاضرة دائماً عندما يرى مرسيل أن صوتي يمكن أن يخدمه ويخدم ما يقوم به». لكنها في الوقت نفسه، ترى أن تفرّدها وانفرادها «يريح مرسيل من مسؤوليتي ومسؤولية صوتي، كما يخدمه ويخدمني في الوقت نفسه». يخدمه، كونها نتاج كل تلك التجربة من العمل معه وبإشرافه. لكنها اليوم تشتغل وحدها «انطلاقاً من مسؤوليتي تجاه نفسي، ومن خلال بحثي وعملي. هكذا صارت هي بالصورة ولم تعد «مختبئة وراء مرسيل». اليوم، تستعد لتقديم عمل ثلاثي بينها وبين هاني سبليني والمؤلف الموسيقي وعازف «الساكسفون» باسل رجوب، في 16 و17 أيار المقبل. يتضمن العمل أغاني قديمة بتوزيع جديد (مثل «بعد يلي بحبو») والبقية جديد. طبعاً، لعملها مع خليفة حصته. إذ تشتغل أميمة على مشروع «صوت» الذي سلمها إياه خليفة منذ العام 2011، وهو عبارة عن مجموعة أغانٍ من دون موسيقى. ستبدأ حالياً بتنفيذ «صوت» مع احتمال أن يشاركها موسيقي مبدع عبر «تصميم الصوت» وليس «توزيع الأغاني، عبر «المؤثرات الصوتية، وهو شغل لم يقدم عندنا، بل قدم في دول غربية». ويصب عملها الثالث في إطار دعمها المقاومة على أنواعها. فعبر تعاونها مع الشاعر الفلسطيني مروان نخول والموسيقي مراد خوري (فلسطيني أيضاً) يحضّر الثلاثة لـ «خطبة الأحد»، وهي مستوحاة من قداس الأحد وخطبة الجمعة. يشكل العمل (8 دقائق) «رسالة فنية أولاً وسياسية ثانياً»، وسينطلق قريباً. ويهدف في السياسة لمناهضة تجنيد المسيحيين في الجيش الإسرائيلي.
سبليني من أسلحتي
تحفظ أميمة الخليل لزوجها المؤلف الموسيقي هاني سبليني «أثراً كبيراً في مسيرتها الفنية». كانت تحب موسيقاه قبل أن تتعرف إليه. وشكلت أعمالهما المشتركة «تقدماً في مسيرتي، وكانت تجربة مختلفة عن تجربتي مع مرسيل خليفة، تجربة أحبها الناس أيضاً، وشكلت انقلاباً سلساً».