عدم تسجيل الزواج المدني المعقود في لبنان يتفاعل

عدم تسجيل الزواج المدني المعقود في لبنان يتفاعل
05 Feb
2015

سعدى علوه - السفير

جاء رأي «الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل»، الذي صدر بتاريخ 13شباط 2013، واضحاً بما يكفي بالنسبة لقانونية عقد الزواج المدني على الأراضي اللبنانية للأشخاص الذين لا ينتمون لأي طائفة. قال ثلاثة من كبار قضاة لبنان، المعينين بموجب نص المرسوم الاشتراعي الرقم 151 الصادر في العام 1983، وبعد شهرين على عقد زواج خلود سكرية ونضال درويش مدنياً عند كاتب العدل جوزف بشارة «بقانونية إثبات الحق بالزواج المدني على الأراضي اللبنانية للمواطنين الذين لا ينتمون الى أية طائفة، والحق في اختيار القانون المدني (الفرنسي او غيره) الذي يريدونه ليحكم حياتهم العائلية وتبعاتها كلها». رأي الهيئة جاء جواباً على أسئلة وزير الداخلية حينذاك مروان شربل، الذي ردّ على استشارتها الأولى بجملة من الأسئلة الاستيضاحية. الهيئة نفسها عادت وأكدت على موقفها بـ «قانونية» الزواج المدني المعقود على الأراضي اللبنانية مع تبعاته كلها. وعليه، نفذت وزارة الداخلية، عقود الزواج المدني التي توالت بعد زواج نضال وخلود، مما أدى إلى تسجيل ستة عقود زواج مدنية حتى الآن في وزارة الداخلية، بالإضافة إلى 13 عقد زواج تقدم أصحابها لتسجيلها، وفق مصادر الوزارة نفسها. في المقابل، يؤكد ناشطون في المنظمات المدنية المؤيدة لعقد الزواج المدني في لبنان أن هناك 54 زواجاً مدنياً عقدوا لغاية الآن على الأراضي اللبنانية (بينها 27 عقداً عند بشارة نفسه)، وإن عرقلة بعض الموظفين في الداخلية نفسها حال دون تسجيل 43 زواجاً مدنيا من ضمن الـ54. العرقلة نفسها، أدت إلى انتهاك الدولة اللبنانية ليس فقط لحقوق الأشخاص الذين قرروا ممارسة حريتهم الشخصية بعقد زواج مدني على الأراضي اللبنانية، وإنما بحق الأطفال الذين يولدون من زواج مماثل. الدولة اليوم تحوّل، على سبيل المثال لا الحصر، الطفلة ناتاشا غطاس، ابنة رواد غطاس ورشا عزو من زواجهما المدني إلى «مكتومة قيد»، بعدما تمنّع موظفو وزارة الداخلية عن تسجيل زواج والديها المدني، وبالتالي تسليمهما إخراج قيدهما العائلي ومعه هويتها. ولا تخالف الدولة اللبنانية هنا مواثيق حقوق الإنسان فقط وإنما اتفاقية حقوق الطفل التي تلزم كل دولة بمنح كل طفل يولد على أراضيها هويته، وناتاشا مولودة من مواطنين لبنانيين يتمتعان بكامل حقوقهما المدنية. وجاء بيان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ليشكل مفصلاً اساسياً في التعاطي مع تسجيل عقود الزواج المدنية، فقد دعا «أصحاب عقود الزواج المدنية إلى مراجعة المحاكم المدنية للنظر في قانونيتها وبتّ تسجيلها». من ناحية أخرى، أكد المشنوق في التصريح نفسه، أنه مع «مبدأ الزواج المدني الاختياري في لبنان، إلا أنه في غياب أي نص قانوني مدني نافذ يرعى أحكام هذا الزواج ويحدد الإجراءات والآليات والمستندات المطلوبة والمرجع الصالح لعقده وبتّه ، فإنه يتعذر حالياً تسجيل عقود الزواج المدني المنظمة لدى الكاتب بالعدل في لبنان». وعليه قرر الذهاب بالموضوع إلى مجلس الوزراء لتحمل مسؤوليته والبت فيه. ولكن التطرق للموضوع في جلسة مجلس الوزراء أمس اقتصر على عرض وزير الداخلية لما اثير حول موضوع الزواج المدني، طالبا بحثه واتخاذ قرار بشأنه في جلسة لاحقة. وأكدت مصادر وزارة الداخلية لـ «السفير» أن موقف المشنوق جاء واضحاً في بيانه لجهة تأييده الزواج المدني، ولكنه «حريص على وضع آلية قانونية فاعلة للموضوع في مجلسي الوزراء والنواب». من جهته، أكد وزير العدل السابق شكيب قرطباوي لـ «السفير» أنه «لا يحق لوزير الداخلية إيقاف تسجيل عقود الزواج المدنية المعقودة على الأراضي اللبنانية، والتي أثبتت قانونيتها الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل». وقال قرطباوي، الذي طلب يومها إلى الهيئة إبداء رأيها في الزواج المدني، أن الهيئة استندت في قرارها إلى «المبادئ القانونية العامة والدستور اللبناني والقرار رقم 60 ل. ر. الصادر عن المفوض السامي الفرنسي في العام 1936، والذي ينظم الوضع الطائفي في لبنان». وبرغم أن رأي الهيــئة غير ملزم، ولكن قرطباوي تساءل «إن كانت الدولة بوزرائها ومؤسساتها لن تتقيد بالرأي الاستشاري لأعلى هيئة قضائية في لبنان، فمن يتقيد بهذا الرأي ولماذا لدينا هيئة استشارية عليا؟ وإلا فلنلغها». واعتبر قرطبــاوي ما حصــل «شمعة مضيئة في هذه الظلــمة الطائفيــة المخــيفة، فلمــاذا نطفئــها؟ ولماذا التكاذب على النفــس وقبول الــزواج المدنــي فــي الخــارج؟». وأكد طلال الحسيني من «المركز المدني للمبادرة الوطنية» الذي بادر إلى عقد الزواج المدني الأول على الأراضي اللبنانية، لـ «السفير» أنه «بالنسبة الينا ومن ناحية قانونية، كل العقود التي نظمت لدى الكتاب بالعدل هي عقود قانونية وسارية المفعول من تاريخ توقيعها لديهم». ولفت إلى أن «موظــفي وزارة الداخــلية يعرقــلون تسليم وثائق الزواج وشــهادات الولادة لأصحاب العلاقة، وأن العرقلة كانت قائمة واستمرت مع قيام المشنوق بأعمال وزارة الداخلية برغم تأكيده لنا قبل 3 أشهر تأييده للزواج المدني»، مؤكداً أن «المهم بالنسبة لنا ليس شخصية الوزير الذي يتولى القيام بأعمال وزارة الداخلية وإنما تطبيق القانون الذي يوجــب تسجيل هذه العقود، وإن قصّر الموظف المأمور فيجب معاقبته». وتطرق الحسيني إلى نقطة أساسية تتمثل في أن «المواطن الذي يقوم بتسليم دوائر النفوس وثيقة زواج او ولادة او وفاة، فيكون هذا العمل القانوني تصريح بحصول الزواج او الولادة او الوفـــاة وليس طلبا للموافقة، وبالتالي تقتصر صلاحية الموظف هنا على النظر من الناحية الشكلية إلى الوثــيقة». ورأى أنه «عند التردد أو الشك، تسأل وزارة الداخلية المرجــع المختص بإبداء الرأي القانوني الذي هو هنا خصوصاً الهيــئة العليا للتشريع والاستشارات، التي سبق وأبدت رأيها بقانونية هذه العقود». وأشار إلى عقد مؤتمر صحافي اليوم للرد على ما يحصل والإعلان عن الخطوات المستقبلية. وقال رواد غطاس، أحد المواطنين الذين رفض موظفو وزارة الداخلية تسجيل زواجه المدني مع زوجته رشا عزو، لـ»السفير»، إنه «لا يعتبر نفسه في مشكلة، وإنما الدولة هي في مشكلة»، مشيراً إلى انه تفاجأ فعلياً بموقف وزارة الداخلية بعدم تسجيل زواجه بعد رأي الهية العليا للاستشارات وتسجيل ست عقود زواج قبله. وبخصوص طفلته ناتاشا (ابنة الأشهر) أشار غطاس إلى أنه استحصل على شهادة ولادة من المستشفى الذي ولدت فيه برغم رفض موظف وزارة الصحة التوقيع عليها. الموظف نفسه عاد، وفق غطاس، ووقع على الوثيقة بعدما وقع عليها وزير الصحة وائل أبو فاعور باعتبار الزواج قانوني وحفاظاً على حق طفلته بالحصول على شهادة ولادة. ورداً على رفض تسجيل زواجه وابنته ناتاشا، قدم غطاس شكوى ضد الدولة اللبنانية لدى منظمة «هيومن رايتس ووتش» لأنها «تنتهك حقوق الإنسان، ليس فقط بامتناعها عن تسجيل الزواج المدني على أراضيها، وإنما ايضا برفضها تسجيل الأطفال الناتجين عن هذا الزواج». وتزامناً مع الإعلان عن طرح الزواج المدني في مجلس الوزراء، نظمت «الهيئة المدنية لحرية الاختيار» وقفة تضامنية تحت عنوان «عقود الزواج المدني على الاراضي اللبنانية»، امس امام السرايا الحكومية. وتحدثت شذى خليل داغر (السيدة الثانية التي تزوجت وفق عقد زواج مدني في لبنان) باسم المعتصمين مؤكدة على حقهم بعقد الزواج المدني على الأراضي اللبنانية. ورأى النائب غسان مخيبر أن «المطلوب اليوم من الادارة وبكل بساطة هو التوقف عن مخالفة القوانين وتسجيل الزيجات والولادات». من جهتها وجهت «هيئة علماء المسلمين» كتاباً مفتوحاً إلى القيادات الدينية والسياسية في لبنان رافضة إعادة طرح موضوع الزواج المدني في مجلس الوزارء، والزواج المدني من أساسه لأنه «يعارض بشكل صريح القرآن الكريم».

 

الأكثر قراءة