بحجّة «محاربته للتطرف» عبر «نزع الحجج منه»، يصرّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على العودة الى نقطة الصفر في مسألة الزواج المدني ونسف كل منجزات القوى غير الطائفية في هذا الإطار. وزيرا الداخلية السابقان زياد بارود ومروان شربل يؤكدان أن الإجراءات التي اتّبعاها لشطب القيد الطائفي وتسجيل عقود الزواج المدني المبرمة على الارض اللبنانية هي إجراءات قانونية، والتمنّع عن تنفيذها أو إلغائها هو بمثابة إسقاط حقوق مدنية لفئة من اللبنانيين واللبنانيات
إيفا الشوفي - الاخبار
يبدأ بيان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على الشكل الآتي: «أولاً إن وزير الداخلية والبلديات مع مبدأ الزواج المدني الاختياري، إلا أنه…». مع بداية هذا البيان تبدأ المشكلة والقضية الأساس التي لم تعد الزواج المدني بقدر ما أصبحت كيفية عمل إدارات الدولة الرسمية. «يُطمئننا الوزير أنه مع الزواج المدني. ممتاز، لكن ماذا يعني ذلك؟
أن يكون الوزير مع أو ضد، ماذا يهمنا؟ القانون أجاز للبنانيين الزواج مدنياً على الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن رأي الوزير لا يغيّر شيئاً في القانون، إلا أذا رضخنا لبدعة أن القوانين والإجراءات تتبدل وتلغى وفق آراء الوزراء وأهوائهم، كما يحصل حالياً في وزارة الداخلية، وهذا دليل إضافي على انهيار الدولة وتغييب المؤسسات». هكذا ردّ طلال الحسيني، أحد أبرز الناشطين في مجال تثبيت الحق في الزواج المدني، فيما تتجه «الهيئة المدنيّة لحريّة الاختيار» لمقاضاة المديرة العامّة للأحوال الشخصية سوزان خوري لارتكابها جرائم عرقلة عقود زواج، ما يؤدي الى أضرار معنوية ومادية بحق المعنيين. ودعت الهيئة الى تجمّع عند الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم (الأربعاء) في ساحة رياض الصلح، تزامنا مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، للاعتراض على اعادة البحث في شرعية ابرام عقود الزواج المدني في لبنان. منذ أسابيع ارتأى المشنوق أن يُرسل الراغبين في الزواج مدنياً الى قبرص بما أنها «ليست بعيدة». أول من أمس استنتج أن عليهم أن يتجهوا الى المحاكم المدنية للنظر في قانونية هذه العقود، ليحطّ رحاله اليوم في مجلس الوزراء، إذ أعلن أنه سيطرح موضوع إجراء عقود الزواج المدني في لبنان وتسجيلها في وزارة الداخلية لاتخاذ القرار المناسب. لا نعلم غداً إلى أين يُرسل المشنوق «المدنيين» الذين «يخالفون القانون» برأيه. امتناع وزير الداخلية عن توقيع عقود الزواج المدني المنظمة على الأراضي اللبنانية يشكّل انتهاكاً خارقاً للحقوق الأساسية للإنسان، لأن الوزير هنا يُسقط حق الزواج عن جميع شاطبي القيد. يوضح الكاتب العدل جوزيف بشارة «أن شاطبي القيد من السجلات لا يمكنهم أن يتزوجوا سوى مدنياً، لأن الطوائف لا تقبل تزويجهم، وبالتالي فإن التمنّع عن تسجيل عقود الزواج المدني يعني إسقاط حقهم في الزواج، وهي سابقة خطيرة تحرم المواطن من حق طبيعي». الانتهاك الثاني لمفهوم الدولة والمؤسسات والحقوق يتجلى في تجاهل المسؤولين للحقوق المكتسبة والنتائج التي نشأت عنها، ما يعكس استهتاراً تاماً بالمواطن وحياته. «شو هيي لعبة؟! منعطي حق ومنسحبوا على زوقنا؟»، يقول وزير الداخلية السابق زياد بارود. يوضح بارود أن «هناك حقوقاً مكتسبة نشأت عن تسجيل عقود الزواج المدني. هناك أسر تأسست وأصبح لديها أطفال نتيجة إعطائها الحق في الزواج المدني، ما يعني عدم إمكانية العودة إطلاقاً عن هذه الإجراءات لما يشكل ذلك من خطورة على حياة الأشخاص ومستقبلهم. فتسجيل عقد الزواج هو تدبير إداري لا يُنشئ الحق بل يكرّسه ويعلنه من أجل ترتيب نتائجه». أما الباحث القانوني طلال الحسيني فعلّق «أن الوزارة ليست ملكاً لحزب أو شخص أو طائفة، فلا يحق للوزير إطلاقاً إلغاء الإجراءات أو التمنّع عن تنفيذها أو النظر في صلاحية العقود». ويرى الحسيني «أن للوزير الحق فقط في النظر في الشكلية القانونية للعقد في حال ظهرت حجج قانونية جديدة أو نشأ وضع مادي جديد وهو ما لم يحصل». يرتكز بيان المشنوق على ثلاث حجج قانونية؛ أولاها أنّه يتعذّر تسجيل عقود الزواج المدني المنظمة لدى الكاتب العدل في ظل غياب نص قانوني مدني نافذ يرعى أحكام هذا الزواج. وثانياً إن القرار 60 ل. ر. أجاز إنشاء الطوائف التابعة للحق العادي شرط الحصول على الاعتراف بها، ويجب على الطائفة أن تقدم الى الحكومة نظامها وهذا ما لم يحصل.
حجج المشنوق تتعارض مع ما خلصت اليه الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل أمّا «الفتوى» الثالثة والأهم للمشنوق فهي أن على أصحاب عقود الزواج المدني أن يراجعوا المحاكم المدنية للنظر في قانونية العقود وإصدار القرارات القضائية اللازمة وإيداعها المديرية العامة للأحوال الشخصية لإجراء المقتضى القانوني. يصرّ وزير الداخلية السابق مروان شربل على أنه لا يحق للمشنوق المطالبة بإعادة النظر في العقود المسجلة أو التشكيك في قانونيتها. يقول شربل «فليفسّر لنا الوزير كيف يقبل تسجيل عقد زواج مدني منظّم في قبرص ويرفض العقد المنظّم في لبنان، علماً بأننا اعتمدنا الطريقة نفسها». حجج المشنوق تتعارض مع ما خلصت اليه الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل، التي أعلنت في بيان رأيها أن «من حق اللبناني الذي لا ينتمي إلى طائفة ما أن يعقد زواجه مدنياً في لبنان». يلفت بشارة الى أن غياب قانون مدني، وفق الحجة التي يطرحها المشنوق، لا يعني إطلاقاً سقوط الحق، فعندما لا يقوم المشرع بدوره في تنظيم الحق نلجأ الى القوانين العامة والمواثيق الدولية، وقد حسمت الهيئة الجدل بأن سمحت للأزواج باختيار القانون المدني الذي يريدونه. وفي ما يتعلق بالحجة الثانية، يؤكد بارود أن المادة 14 من القرار 60 ل. ر. نصت على «أن الطوائف التابعة للقانون العادي تنظّم شؤونها وتديرها بحرية ضمن حدود القوانين المدنية»، ولا تحتاج الى ترخيص لتنشأ. أما الاعتراف الذي يتحدث عنه المشنوق فهو اختياري لتنظيم العقارات والأملاك والمدافن… يستغرب بارود التمييز الذي يمارس بين لبنانيين لديهم الوضع القانوني نفسه، ما يشكل خرقاً لمبدأ المساواة ويعرّض أي قرار من الإدارة بالامتناع عن التسجيل للطعن. يقلق المشنوق على شاطبي القيد فيتساءل كيف سيصوّتون أو يتوظفون أو يترشحون؟ وحتى أين سيُدفنون؟ لا يريد الوزير أن يقرأ في القانون، لكن بارود يطمئنه: تعميم شطب القيد صدر في شباط 2009 وحصلت الانتخابات في حزيران 2009 حين صوّت أكثر من 281 مواطناً شطبوا قيدهم الطائفي. كذلك أصدرت الهيئة العليا للاستشارات في نيسان 2009 رأياً تؤكد فيه حق شاطبي القيد في الترشح عن المقعد الذي يريدونه.