دولة «اللادولة» لا يعنيها أيّ قانون، كذلك موظفوها الذين ينجزون المعاملات وفق أهوائهم. من يعارض الزواج المدني في وزارة الداخلية يمكنه رفض التوقيع، سواء أكان موظفاً أم وزيراً
إيفا الشوفي - الاخبار
تفيد المعلومات بأنّ 52 عقد زواج مدني أُجريت حتى الآن على الأراضي اللبنانية، 7 منها سُجِّلَت رسمياً، فيما بقي 45 عقداً من دون تسجيل بلا أي مسوّغ قانوني. عندما صرّح وزير الداخلية نهاد المشنوق هذا الشهر بأن قبرص ليست بعيدة لمن يرغبون في الزواج مدنياً، أراد قطع الطريق أمام أي محاولات جديدة يمكن أن تجعل هذا العدد يرتفع. فالخرق الذي أحدثته الزيجات السبع في بنية النظام الطائفي يشكّل خطراً جدياً يتصدى له جميع السياسيين ورجال الدين، حتى الموظفين من أبناء هذا النظام.
الحجّة المعلنة التي تحول دون تسجيل هذه العقود هي تمنّع المديرة العامة للأحوال الشخصية سوزان خوري عن توقيعها، نظراً إلى معارضتها الزواج المدني، وفق ما يعلنه البيان الصادر أمس عن «الهيئة المدنيّة لحريّة الاختيار». لا يمكن تصوّر أن معركة الدولة المدنية تُعرقلها خوري وحدها، فخوري اليوم يستخدمها أرباب هذا النظام لعدم تسهيل أمور المتزوجين مدنياً. العائق الفعلي للزواج المدني هو القوى الطائفية التي تتخذ من خوري حجة مناسبة لمنع عقد أي زواج مدني على الأراضي اللبنانية.بالطبع، لا يلغي هذا مسؤولية خوري نفسها، فهي ليست المرة الأولى التي تحاول عرقلة الأمور الإدارية في الوزارة. فقبل خطوة الزواج المدني عارضت الموظفة بشدّة، بغطاء من القوى السياسية، خطوة شطب القيد الطائفي. وحدها ضغوط وزيري الداخلية المتعاقبين زياد بارود ومروان شربل، أجبرت الموظفة على تسيير معاملات الساعين إلى دولة مدنية. مع وصول الوزير الحالي نهاد المشنوق إلى وزارة الداخلية عادت خوري لعادتها القديمة: لا لتسيير أي معاملة زواج مدني، معتمدةً في ذلك على موقف المشنوق السلبي من الزواج المدني. عزّز تصريح المشنوق الأخير من قوة خوري، ليصل الانحلال الإداري في مؤسسات الدولة إلى ارتباط القوانين والإجراءات الإدارية بشخص الوزير وموظفة، لا بآلية إدارة المؤسسة. حاولت «الأخبار» التواصل مع خوري، لكن ما من جواب.الواضح أنّ الحماية التي يوفرها هذا النظام لجميع من يواجه معركة الدولة المدنية، مثل خوري، تُسقط أي قيمة مادية للقانون ولا حتى للدستور، فقد أوضح بيان «الهيئة المدنيّة لحريّة الاختيار» أن إنكار حقّ اللبنانيّين بالزواج المدنيّ على الأراضي اللبنانيّة، وعرقلة حريّة اختيارهم له وعملهم به يشكلان خرقاً للدستور في متنه والمقدّمة، وذلك في المادّتين السابعة والتاسعة والبندين (ب) و(ط). فهذه قد نصّت بوضوح على المساواة التامّة بين اللبنانيّين، وحريّة الاعتقاد المطلقة لهم، والتزام الدولة شرعة حقوق الإنسان وتجسيدها في شتّى المجالات دون استثناء. أمّا امتناع الموظف العام عن القيام بواجب نقل البيانات وتحرير الوثائق وتسليمها لصاحب العلاقة، فليس سوى مخالفة، تتحوّل إلى جريمة إضرار ماديّ ومعنويّ تستلزم التعويض إذا اقترن الامتناع بالإصرار عليه وبإثارة الشكوك في صحّة العقود ثمّ بنشر الشائعات الكاذبة عن طبيعة العلاقات الاجتماعيّة بين الزوجين بغاية التهويل عليهم.إنكار الحق والامتناع عن تنفيذ المهمات يؤسسان لعدد من المخالفات، أولها مخالفة قانون العقوبات في ما يتعلّق بالحريّات والكرامة الشخصيّة. وثانياً مخالفة قانون تحديد نظام الطوائف الدينيّة في ما يتعلّق بحقوق الأفراد والجماعات، وقانون وثائق الأحوال الشخصيّة في ما يتعلّق بواجبات العمل الإداريّ والخدمة العامّة.تناقش الهيئة حالياً إجراءات عدة على الصعد القضائية والإدارية والسياسية، ستُعلنها في مؤتمر صحافي الأسبوع المقبل، منها التوجه إلى القضاء لفرض تسجيل هذه العقود ومحاسبة كل من يمتنع عن تنفيذ القانون.