عاصم ترحيني - خاص الموقع
لمن لا يعرفها هي اليمن,بلاد الشمس بلاد العرب السعيدة كما أسماها الإغريق واليونان, بلاد العسل والعنب والرمان والثروات الطبيعية والبشرية.
من ضلعها خرجت القوافل والشعوب،وولدت أولى أبجديات العالم. هي يمن العراقة والأصالة، من ممالك سبأ وأروى وقتبان وحمير.
اليمن أرض تتزاحم فيها العجائب، تقلب بين تاريخها وتضاريسها كألبوم صور يروى عظمة الإنسان والطبيعة، من المكلا وإب وتعز وسقطرى والحديفة وصعدة وزبيد وشبام وصنعاء المدينة التاريخية.
لليمن خصوصية كانت لتكن نموذجاً، تاريخها السياسي زاوج ما بين القبيلة والحضر والمدينة والمرأة إلى الممالك والجمهورية والقومية والإشتراكية.
هي أيضاً نموذجاً للتعايش بين الشعوب، البوتقة التي صهرت القرن الأفريقي والجزيرة العربية والهند.
تتسع وتتنوع المأدبة والتوابل اليمنية كأنها الجمعية العامة الأمم المتحدة مقدمة على الطاولة، كالمندي والمظبي والشفوت والسلتة والجلمة والفحسة، إلى اللكنات والزي الشعبي الخاص لكل مدينة وقبيلة وإقليم، ورقص البراع و والشرح والشبواني والزامل، ومقامات العود الصنعاني والعدني، كما الشعراء والكتاب والمثقفين والعلماء.
كانت "الوسطية" الخيار التاريخي لليمنيين. هم الشوافع والزيود، بين الحنبلية والإثنا عشرية، بين الوهابية والخمينية الراديكالية التي تخلت عنها إيران لصالح مشروعها التوسعي من دون أن تعفى إمتداد ثورتها منها.
خرج اليمنيون عام ٢٠١١ رغم شوك الذاكرة شعب واحد إلى الشارع، وإمتد شعار الوحدة والدولة المدنيّة من عدن التي قدمت أولى الشهداء إلى صنعاء مرورا بتعز وصعدة ،الشعب الأكثر تسليحاً بعد الولايات المتحدة صرخ "سلمية سلمية" وكانت مجزرة جمعة الكرامة التي زادتهم تمسّكاً بخيار الدولة والعدالة، وسقط الأحزاب والمثقفين النخبويين أولاً إلى المبادرة الخليجية والحوار الوطني المهزلة الذي قضى على حلم الوحدة الحقيقية والدولة المدنية والعدالة الإجتماعية ولو بعد حين.
أما اليوم فاليمن هي تجسيد لكل أخطائنا، دولة فاشلة لا تسيطر سوى على بعض المباني الحكومية في العاصمة والتلفزيون الرسمي، الجيش الوطني منقسم وتتعدد ولاءاته كبورصة يتقاذفها المستثمرين، الجرعة التي أقرتها الحكومة وبموجبها رفع الدعم عن كل المواد الأولية والنفط ومشتقاته في بلد ٦٠٪ من سكانه بحاجة إلى معونات عاجلة، بالإضافة إلى ملايين النازحين من القرن الأفريقي والشمال وسوريا والعراق وحتى فلسطين، علماً أن الأخيرين يعيشون حياةً هنيئة يحلم بها المواطن اليمني العادي.
عاد اليمن الخبر الأول على الشاشة "الصراع السياسي في اليمن هو إمتداد للصراع، وهو ينزع عن اليمن يمنيته" يقول صديقي الصحافي فارع المسلمي. دخل الحوثي المدينة متذاكياً بشعاراتها لا شعار صعدة، يسعى عبد الملك الحوثي تقديم نفسه مخلصاً لليمين متسلقاً احلام ونضال وصبر اليمني على الضيم والظلم.
الحوثي سيطر على شمال اليمن، أعلنها ولاية إسلامية على نمط داعش منع الغناء وإعتقل الفنانين، منع الجينز والرداء الغربي وفرض النقاب.
اليوم أطبق سيطرته على مفاصل العاصمة واسقط ما تبقى من مؤسسات وشرعية وأعلنها حرباً على الجميع.
السعودية كانت وما زالت تمول شيوخ القبائل، وما أسموه تنظيم الإخوان المسلمين حزب الإصلاح وتمول القاعدة في الجنوب الإشتراكي سابقاً التي أيضاً أقامت لها ولاية في زنجبار.
المشهد اليمني هو ماضي لبنان وحاضره، قيادات سياسية مرتهنة لصالح مشاريع إقليمية لا تنتج على الصعيد الوطني سوى حروب عبثية طائفية يدفع ثمنها المواطن والعامل والفقراء.