المياه ليست «سلعة»، وحق المواطنين فيها هو حقهم في الحياة نفسها. لا يجوز السماح للسوق باحتكار هذا الحق و«تسعيره» وتقرير كيفية توزيعه. هذا هو الموقف الذي اجتمعت عليه حملة «المياه مش للبيع» ضد مشروع Blue Gold، وهو المشروع الذي يروّج له «ملتقى التأثير المدني» ويهدف من خلاله إلى الضغط من أجل خصخصة المياه في لبنان
أطلقت مجموعة من الناشطات والناشطين وأساتذة الجامعات حملة ضد مشروع Blue Gold تحت عنوان «المياه مش للبيع». فالمشروع، برأي القيّمين على هذه الحملة، يمثل تهديداً لحقّ الإنسان «وسائر الكائنات الحية» في المياه، مؤكدين أنه «لا يحق للسلطة تسليم المياه لحيتان القطاع الخاص للتصرف بها كسلعة»، داعين «المواطنين والمواطنات إلى العمل معاً من أجل أن تبقى المياه حقاً، يضمنه الدستور، ومصلحةً وطنيةً وخدمةً عامةً تحصل عليها جميع فئات المجتمع بشكل عادل».
الحملة أنشأت صفحة لها على «فايسبوك» ووضعت عريضة للتوقيع عليها، تحت شعار «المياه حق وليست ذهباً! أوقفوا خصخصة المياه في لبنان: أوقفوا بلو غولد!». وفي ما يلي نص العريضة:
تحويل المياه إلى سلعة
تُعرض منذ فترة كمية كبيرة من الإعلانات لمشروع «الذهب الأزرق» أو «بلو غولد» الذي يروّج له «ملتقى التأثير المدني»، ويدعو المواطنين إلى التصويت عليه من خلال موقعه على الإنترنت. ويدّعي ملتقى التأثير المدني في كتيّبه الترويجي أنّ مشكلة المياه في لبنان ستُحل من خلال مشروعه هذا، كما يدعو جميع المواطنين الى التفاعل معه عبر شبكات التواصل الاجتماعي والنقاش المباشر، وتقديم الاقتراحات لتطوير المشروع والتصويت عليه. ويقترح مشروع «بلو غولد» تكوين شراكة بين «المواطن والدولة» لإدارة قطاع المياه خارج تأثير السياسة، ومن خلال إنشاء «المجلس الوطني للمياه»، متغافلاً عن أشياء أخرى ذات مدلولات خطيرة جداً. للوهلة الأولى، يبدو هذا المشروع جذاباً ومقنعاً. ولكن دعونا نتروّ قليلاً وننظر الى المسألة بشكل هادئ، ونبحث في المفاهيم المطروحة في هذا المشروع: يبدأ كتيّب «بلو غولد» مقدمته بالقول إنّ «المشكلة هي أنّنا لا نعي أهميّة الثروة التي لدينا. نرى المياه كسلعة رخيصة، متناسين أن قيمة قنينة واحدة من المياه توازي قيمة قنينة من النفط الخام».
وهنا تقع المشكلة الجوهريّة في هذا المشروع الذي يسعى الى تحويل المياه من كونها حقاً تصونه الدولة وخدمةً تؤمّنها لجميع المواطنين/ات، الى سلعة متداولة في السوق، تخضع للمنافسة والاحتكار والمضاربات، ما يجعل بلو غولد مشروعاً آخر من مشاريع الخصخصة المتخفّية تحت شعار «الشراكة مع القطاع الخاص».
نتائج الخصخصة
بالطبع، هناك من سيبرر الحاجة إلى مشروع كهذا من خلال اتهام الدولة بالفساد والعجز، ويرى أن من الأفضل اللجوء إلى القطاع الخاص ومشاركته أو تسليمه إدارة الخدمات العامة. ولكن لنر إلامَ أدّت مشاريع الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص حتى اليوم؟ هذه الشراكة أنتجت في السابق سوليدير، ونهبت أملاك المواطنين وحقوقهم؛ وهي نفسها أنتجت عقود شركات الخلوي، بحيث إنّ فاتورة الاتصالات في لبنان هي من الأغلى في العالم؛ وهي الشراكة نفسها التي أدارت تحويل سندات الخزينة الى المصارف بأعلى الفوائد والتي أدّت الى تضخّم الدين العام الى أعلى مستوياته؛ وهي الشراكة نفسها التي بسببها يتم رفض تثبيت آلاف المياومين والمياومات في القطاع العام (كما حصل مع عمّال وعاملات مؤسسة كهرباء لبنان، حيث تم تجيير عقودهم/ن إلى شركات خاصة لا تضمن لهم أيّة حقوق أو ضمانات). وبالإضافة الى ذلك، رفض السلطة إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي كان القطاع الخاص من أشدّ الرافضين لها ولا يزال؛ وهي نفس الشراكة التي أتت بسوكلين ومنحتها احتكار إدارة النفايات، مستنزفةً موازنات البلديات وصحة المواطنين. ما يُراد من مشروع بلو غولد، لا يختلف في جوهره عن كل تلك المشاريع السابقة والحالية، من محاولات أصحاب الرساميل والمستثمرين اللبنانيين والإقليميين والعالميين، العمل مع أصدقائهم في الدولة اللبنانية من أجل التشارك في تحصيل الثروات من خلال إدارة الخدمات الأساسية والحيوية وبيعها للمواطنين كسلع باهظة الثمن، بدلاً من إبعادها عن المضاربات والتنافس الربحي في السوق؛ هذا ما يخطَّط له اليوم في قطاع المياه.
السيطرة على المياه
هنا علينا أن نسأل: هل فعلاً تُحَل أزمة المياه في لبنان من خلال تسليم هذا القطاع الحيوي لشركات خاصة، محمية سياسياً من قبل شركائها في السلطة، وبهذا تسيطر على المياه في لبنان، وعلى تأمين وصولها الى المنازل؟ ماذا يحصل مثلاً إذا قررت هذه الشركات بيع المياه للخارج لأنه أكثر ربحاً، أو حتّى عدم إيصالها للمناطق النائية أو الضواحي أو المزارعين لأنه ليس هناك مردود ربحي كافٍ لهم؟ إن كانت الرؤية التي يقترحها ملتقى التأثير المدني هي حقاً دعم القطاع العام من خلال التشارك معه، فلماذا لا يعمل على تحسين الجهاز الإداري والبشري والفني لمؤسسات المياه من دون مقابل؟ ألا يُعتبر هذا مساهمةً من القطاع الخاص؟ أم أن أي مساهمة منه مشروطة أولاً بتحصيل الأرباح، فيما شراكة المواطنين/ات معه عبر الدولة هي مشروطة بدفع المواطنين/ات تعريفات وفواتير عالية من أجل ضمان أرباحه، وذلك دون تأمين الخدمة بالشكل المطلوب؟ ما يُراد من هذا المشروع هو محاولة أخرى لجعلنا جميعاً ندفع من جيوبنا فاتورتين من فواتير الفساد والاستغلال: الأولى للقطاع الخاص، والثانية للسلطة السياسية! لهذه الأسباب جميعها، تداعينا كمواطنين ومواطنات الى العمل معاً من أجل أن تبقى المياه حقاً يضمنه الدستور اللبناني، وأن تكون المياه مصلحةً وطنيةً وخدمةً عامةً تحصل عليها جميع فئات المجتمع بشكل عادل وديموقراطي، وتؤمّن لمؤسسات المياه العامة المردود الكافي لتغطية كلفة الاستثمار والصيانة والمعالجة والتوزيع. بناءً على كل ما ذكرنا، نرفض أن تتحوّل مياه لبنان الى مجرد سلعة للبيع، وإلى وسيلة لتحصيل الأرباح الخاصة؛ وندعو الجميع الى تبنّي مفهوم المياه كحق من حقوق الإنسان وضمانة لحياته ولسائر الكائنات الحية. ولا يحقّ للسلطة أو غيرها التصرف بها على كونها سلعة أو أنها «نفط خام أو ذهب» وتسليمها لحيتان القطاع الخاص. (الأخبار)
يمكن التوقيع على العريضة على الرابط الآتي: notobluegoldlebanon.org رابط الحملة على الفايسبوك: www.facebook.com/waternotfor