خرجت «هيئة التنسيق النقابية» منتصرة من معركة مشروع سلسلة الرتب والرواتب، نقابيا، على الرغم من عدم تحقيقها ربحا ماديا، من خلال تطيير مشروع السلسلة ووضعه في المجهول في ظل التطورات السياسية المتلاحقة في البلاد، والتي يتوقع لها أن تتأزم أكثر في حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية قبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري. وتدرك قيادة الهيئة أن موعد السابع والعشرين من الجاري، لن يكون موعدا نهائيا لإقرار السلسلة، في ظل تأكيدات أن النواب المسيحيين قرروا مقاطعة أي نشاط تشريعي في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي لن تعقد أي جلسة تشريعية. ويأتي هدوء «هيئة التنسيق» في تلقفها لما حصل في مجلس النواب، وعدم التسرع في إصدار مواقف حادة، لجهة تطيير نصاب جلسة الهيئة العامة، أو من خلال فرض ضرائب على الطبقة الفقيرة، بعكس ما كانت تنادي به الهيئة، لقناعتها أن ما حصل قد «كشف المستور»، لجهة ضرب موظفي الدولة ورفض إعطائهم الحقوق التي طالبوا بها على مدى عامين ونصف العام. ويؤكد رئيس «رابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي» حنا غريب أن «هيئة التنسيق» تعتبر أنها ربحت نقابيا، من خلال ولادة «قوى 14 أيار» البعيدة عن الانقسامات السياسية، بين فريقَي «8 و14 آذار»، وأثبتت مصداقيتها تجاه قواعدها، وتُعَلَّق الآمال مستقبلا عليها في أن تكون رافعة للعمل الوطني، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية. ويرى رئيس «رابطة موظفي الإدارة العامة» محمود حيدر أن كل يوم من أيام المعركة للحصول على السلسلة، كشف المسؤولين أمام الرأي العام، و«كم هم غير قادرين على تحمل المسؤولية، من خلال عدم الاستماع إلى مطالب موظفي الدولة طوال الفترة الماضية». ويقارب نقيب «المعلمين في المدارس الخاصة» نعمه محفوض الموضوع من زاوية ثانية، فيشير إلى أن تهويل السياسيين بأن إعطاء السلسلة سيؤدي إلى انهيار البلد وهبوط قيمة الليرة، ثبت عكسه تماما، «هم أخذوا البلد إلى الانهيار والفراغ السياسي، وبعد 25 أيار في حال لم يتم انتخاب رئيس، لن يكون هناك مجلس نواب، ولا رئيس، إضافة إلى أن أداءهم الاقتصادي والاجتماعي سيأخذ البلد إلى الانهيار، وليست السلسلة». ويشدد غريب على أن معركة السلسلة أظهرت الجانب المرتبط بكل ما له علاقة بدولة الرعاية الاجتماعية، علما أن ذلك ليس من مسؤولية هيئة التنسيق، التي قدمت الحلول ودلت على مكامن الهدر والفساد في أكثر من تظاهرة واعتصام، لكن المسؤولين لم يجدوا الحل، فتحولت المطالب إلى قضية وطنية. ويعتبر حيدر أن وجهة المعركة تغيرت، وأصبح السؤال المطروح: «هل ستبقى إدارة أو دولة، أم أن الغاية هي في تحويل الموظفين إلى متعاقدين، أو خصخصة الإدارة العامة؟». ويلفت إلى أن هذا المشروع ظهر من خلال ما أقرته الهيئة العامة، من خلال رفع دوام الموظفين من الثامنة صباحا حتى الخامسة بعد الظهر، من دون احتساب مضاعفات هذا القرار على الحياة العامة. ووصف هذا القرار بأنه غير مسؤول، و«من وافق عليه لا يدرك نتائجه السلبية على حياة الموظفين والإدارة العامة، في الوقت الذي لا حاجة فيه إلى زيادة الدوام في الإدارة لا من قريب ولا من بعيد، بينما المطلوب هو تفعيل أجهزة الرقابة، وتعبئة المراكز الشاغرة». ويلفت محفوض إلى أن «هيئة التنسيق»، ومن خلال الحشد البشري الذي نزل إلى الشارع، للمطالبة بسلسلة عادلة، فرضت على مجلس النواب عدم إمرار مشروع اللجنة النيابية المصغرة برئاسة النائب جورج عدوان. ويعترف بأن السلبية التي تسجل في خانة الهيئة أنها لم تستطع إقرار السلسلة، «لكن الهيئة كشفت أداء السلطة، وزادت الحس بالمسؤولية لدى الشعب، وردة الفعل على مواقع التواصل الاجتماعية خير دليل على مصداقية الهيئة». ويشير غريب إلى أن «الهيئة بينت مصداقيتها أمام الشعب، وأظهرت من المسؤول عن الهدر، وباتت السلسلة قضية وطنية، من خلال دخولها في القضية الوطنية الكبرى، لأنهم ماطلوا وسوفوا، ورفعوا القضية عن ظهرهم ورموا الحل على غيرهم، حتى بتنا أمام أزمة اجتماعية كبيرة، والأزمة تتعمق، وتتداخل مع الأزمة السياسية والاقتصادية والإدارية». ويستغرب محفوض، كيف أن أكثر من عامين ونصف العام، من تشكيل لجنة وزارية موسعة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، ولجنة وزارية مصغرة، ولجنة نيابية برئاسة إبراهيم كنعان، ولجنة نيابية برئاسة جورج عدوان، ولجان نيابية مشتركة، «ولم نجد مسؤولا واحدا يعتذر من الشعب، أو يقدم استقالته لفشله». ويتوقع حيدر أن تشهد الإدارة العامة، ثورة عارمة، في حال إقرار زيادة دوام العمل، لأن ذلك سيرتب أعباء مادية كبيرة على الموظفين، مقابل زيادة مالية هزيلة، والقرار الأخير سيكون للجمعيات العامة. ويؤكد غريب أن من حق «هيئة التنسيق» اتخاذ القرار الذي يؤمن حقوقها، ومن ضمنها مقاطعة الامتحانات الرسمية، «لأن الغاية من كل الإجراءات الضريبية التي وافقوا عليها، تهدف إلى ضرب التعليم الرسمي، والإدارة العامة، وإقفال التعليم الثانوي تحديدا». ويشدد محفوض على أن «الموضوع ليس موضوعا ماليا، وما نطالب به يعني الشعب اللبناني بأكمله، واكتشفنا أن نصف الشعب، لن يستفيد من السلسلة، ومع ذلك ستلقى عليه أعباء ضرائبية، لذلك نبهت هيئة التنسيق من فرض ضرائب على الطبقة الفقيرة، في حين أن أولاد المسؤولين وأموالهم في الخارج، ولا يشعرون بوجع الناس». وختم مؤكدا أن «هيئة التنسيق أعطت المسؤولين عشرة أيام لمراجعة حساباتهم، مع علمنا أنهم لن يتراجعوا، والهيئة لن تتحرك حتى لا نحمل وزر عدم انتخاب رئيس». يبقى القرار للجمعيات العامة لروابط الأساتذة والمعلمين والموظفين، في الموافقة على توصية الهيئة في مقاطعة الامتحانات الرسمية من ألفها إلى يائها، والمتوقع صدوره اليوم.