لم أذهب يوماً إلى فرنسا. ولم أجد لديّ رغبة في ذلك.. جهلي بالفرنسية شكل حاجزاً بيني وبين ثقافتها.. وكل ما قرأته مترجماً منها إلى لغات أعرفها، لم أجد لديّ ميلاً إليه. هي عالمٌ مجهول لا ينقشع غموضه بعدد من الأفلام السينمائية، أو العبارات المتناثرة. حولي كثيرٌ من المديح لفرنسا ولـ«ديموقراطيتها».. لكن، ولربع قرن، انحصرت صورتها في الذهن برسم لشاب بالأحمر، رهين زنزانة فيها. كلما لُفظ اسمها، لا تتبادر سوى صورة جورج إبراهيم عبدالله. ابن القبيات، الذي يقضي سنة تلو أخرى معتقلاً سياسياً، بعدما احتجزته فرقة موساد سنة 1984. وبرّر الفرنسيون اعتقاله بحيازة أوراق ثبوتية غير صحيحة. كان يفترض به أن يعود إلى لبنان منذ 15 عاماً، بموجب «انتهاء مدة سجنه» و«طلب الإفراج المشروط».. لكنه تحوّل من القضاء إلى السياسة.. وبقي معتقلاً. كنت أظن أن قضية جورج «لطخة عار على جبين الديموقراطية الفرنسية».. إلا أن الأمر ليس كذلك. تلك «الديموقراطية» لا تعدو كونها قناعاً يغطي بشاعة الوجه. فاحترام حقوق الإنسان، وتجريم الاحتجاز التعسفي والاعتقال السياسي، شعارات لا نصيب لفرنسا منها.. إنما تسري قسراً على بلادنا، التي ما زالت شوارعها تحمل أسماء المحتلين. جورج الإنسان، قضى «محكوميته»، بجريمة لم يثبت أنه ارتكبها.. كثيرون سقطوا، غيّروا مواقعهم في سنيّ اعتقالهم، بدّلوا القضية وموقع البندقية وتاجروا بها، لكنه بقي صامداً.. ربما ساعده السجن الطويل في رؤية الأمور من بعيد، وبتأن.. ولم يسقط. ربما لكونه محكوماً بالصمود. الحـرية لجورج إبراهيم عبد الله. عماد الدين رائف - السفير