شحن تأجيل إقرار سلسلة الرتب والرواتب الكثير من المعلمين والموظفين ضد كتل أحزابهم السياسية. إلا أن قيادة هيئة التنسيق النقابية لم تسارع إلى تلقف «الصدمة» وتحويلها إلى حركة نشطة لتعبئة القواعد وتحضيرها لاستكمال الصراع، وتجاوز الاصطفاف السياسي
فاتن الحاج - الاخبار
ترحيل سلسلة الرواتب فتح فرصة استثنائية أمام هيئة التنسيق النقابية لاستكمال معركتها بعدما كانت مهددة بخسارتها في مجلس النواب، فقررت الإضراب وتنظيم تظاهرة حاشدة في 29 الشهر الجاري من مصرف لبنان إلى جمعية المصارف، وصولاً إلى مجلس النواب. وهذا ما دفع رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، إلى دعوة جميع الفئات المتضررة للمشاركة في هذاه التظاهرة والانخراط في المعركة من أجل عدالة النظام الضريبي.
قال غريب في المؤتمر الصحافي الذي عقدته الهيئة أمس في ساحة رياض الصلح إن «الناس يجب أن يكونوا مستعدين للتصعيد إضراباً واعتصاماً وتظاهراً، لفرض تغيير النظام الضريبي وجعله أكثر عدالة تماماً كما من أجل إقرار الحقوق في السلسلة وإلغاء البنود التي تطاول المكتسبات». اللافت أن غريب رأى أن الهيئة ربحت هذه الجولة من المعركة بعدما تمكنت من إعادة معاناة الناس إلى الحياة الوطنية والسياسية، إلا أن أجواء القاعدة النقابية لم تكن على التشخيص نفسه، بل إن هناك شعوراً بالخسارة لا الربح، وبدا مستغرباً أيضاً أن الهيئة علقت تحركاتها حتى 29 الجاري بحجة عطلة الأعياد، علماً بأنها اشترطت في لقائها مع وزير التربية إلياس بو صعب أن تكون شريكة في الحوار داخل اللجنة النيابية الوزارية تجنباً لتكرار المأساة.
الوزير بو صعب برر موقف تكتل التيار الوطني الحر المحسوب عليه بأنّه أراد التريث لعدم إخراج سلسلة مشوهة من جهة، كذلك فإن الجو العام كان يتجه إلى التأجيل والنواب الخمسة للتيار لن يقدموا ولن يؤخروا؟! استشار الوزير وفد الهيئة بشأن مشاركته في اللجنة، علماً بأنّ دوره هنا استشاري لا تقريري. الأهم أنه طمأن إلى أن الدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 23 الجاري لا تلغي إمكان الدعوة إلى جلسة تشريعية حتى 15 أيار. الانقسام السياسي حول قرار التأجيل لم ينعكس حتى الآن على شارع هيئة التنسيق. التزام الإضراب في التعليم الرسمي والإدارات العامة كان معقولاً، إذا ما استُثنيت التهديدات التي تعرض لها بعض الموظفين من قبل الوزراء، ولا سيما في وزارة الصحة. ممثلو القوى النقابية الحزبية المعارضة والمؤيدة لتأجيل بتّ السلسلة شاركوا في الاعتصام، مستعيدين مشهد يوميات إضراب الـ 33 يوماً في بيروت والمحافظات. فالقرار مدّ أصحاب السلسلة بشحنات جديدة من التصميم على انتزاع حقوقهم من جيوب «التجار وحيتان المال». تحدثوا بلغة واحدة بلا حرج من مواقف الكتل النيابية للأحزاب التي ينتمون إليها، وإن كان البعض قد أظهر تفهماً لها. كانت الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي غادة الزعتري (تيار المستقبل) تتوقع مثل هذا القرار «الذي أتى يترجم حسابات السياسيين الانتخابية في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب لا حقوق قواعدهم». تقول: «يمكن أن يفكروا أنهم ما زالوا قادرين على أن يسوقونا كالغنم. لا، زمن الأول تحوّل. لم أفاجأ بكتلة المستقبل ولا بغيرها. كلهم تكتلوا ضدنا. هناك طرف ظهر بمظهر البطل أكثر من طرف آخر». تضيف: «أنا شخصياً لن أستقيل من عملي النقابي ولا من مهماتي الحزبية، سأكون لهم بالمرصاد وسأحاربهم من الداخل، فقد لمسنا لمس اليد أن النواب هم ممثلو الهيئات الاقتصادية لا ممثلو الشعب». الأستاذ في التعليم الأساسي الرسمي منصور العنز (الحزب التقدمي الاشتراكي) لم يشعر بأي نقمة تجاه حزبه، مشيراً إلى أنّه يشارك في تحركات هيئة التنسيق النقابية «لأنني أريد حقوقي كنقابي، وهني يشتغلوا سياسة يصطفلوا». أما الأستاذ في التعليم الأساسي يوسف نصر الله (حزب القوات اللبنانية) فبدا ناقماً «وسيكون لنا نحن الأساتذة موقف نتركه للأيام بعدما نسمع المبررات التي دفعت كتلتنا النيابية إلى تبني هذا الموقف المعارض لحقوقنا». وفي ردّ الفعل الأول على قرار التأجيل، رأى عضو المجلس التنفيذي لنقابة المعلمين مجيد العيلي (حزب الكتائب) أنّ الصورة التي أشيعت، أنّ من صوّت مع التأجيل صوّت ضد حقوق الناس ليست دقيقة لكون «الأحزاب ضنينة بمصلحة محازبيها». لكن العيلي لم يغفل القول إنّ «الاقتصاديين والمصارف وحاكم مصرف لبنان نجحوا في إقناع السياسيين بوجهة نظرهم والرئيس فؤاد السنيورة كان له أكثر من دور، وأتمنى أن تكون نياته بريئة». «وجودنا في الشارع أبلغ دليل على رفضنا لضرب حقوقنا كأننا لسنا موجودين في الدولة»، هذا ما قاله عضو رابطة موظفي الإدارة العامة وليد جعجع (التيار الوطني الحر). يشرح أن «كل كتلة نيابية تضم التجار والمعترين، وطبيعي أن تنحاز الفئة الأولى إلى مصالحها، والثانية إلى حقوق الناس، ونحن سندافع عن مكتسباتنا حتى الرمق الأخير». على المقلب الآخر، بدا المحازبون لكتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة منتشين بوقوف أحزابهم ضد تأجيل السلسلة، وتنافسوا على توجيه التحية للرئيس نبيه بري ونواب الكتلتين. أما غريب، فقد قدّر للكتلتين موقفهما، إلا أنّه وضع بين أيدي اللبنانيين مجموعة أرقام تدحض حملة التهويل والتخويف. سأل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يشغل منصبه منذ 1992: «هل ما سدده اللبنانيون من كلفة باهظة لتثبيت سعر صرف الليرة على حساب مستوى معيشتهم وفرص عملهم وإنتاجية اقتصادهم ذهب سدى؟ ما الهدف من وجود أكثر من 48 مليار دولار لدى مصرف لبنان كموجودات بالعملات الأجنبية والذهب؟ ما هي الوظيفة التي تؤديها هذه الموجودات ما لم تكن لمعاقبة كل من تسوّل له نفسه التلاعب بالنقد والمضاربة على الليرة؟». وقال: «إنّ ادعاء المصارف عدم قدرتها على زيادة الاقتطاعات الضريبية من أرباحها، هو ادعاء باطل. هي حققت في العام الماضي وحده أكثر من 2300 مليون دولار من الأرباح، جرى تهريب نحو 300 مليون دولار منها كمصاريف شخصية ومخصصات لأصحاب البنوك ومديريها، وصُرِّح عن 2000 مليون دولار لدوائر الضريبة، التي اقتطعت منها نحو 300 مليون دولار كضرائب فقط، ليبقى للمصارف نحو 1700 مليون دولار أرباحاً صافية. وأضاف أن الأرباح التي حققها المضاربون على أسعار العقارات بلغت في عام واحد نحو 4 مليارات دولار. وقال: «إنّ ريوع الاحتكارات التجارية قدّرها البنك الدولي في عام 2006 بنحو 16% من مجمل الناتج المحلي، أي إنّ المحتكرون يجنون أرباحاً سنوية لا تقلّ عن 7200 مليون دولار، وهؤلاء لا يسددون إلا ضرائب هزيلة ويتهربون من تسديد ما يستحق عليهم». وأشار إلى أن أصحاب الرساميل وحاشية الزعماء احتلوا أكثر من 10 ملايين متر مربع من الأملاك العامّة البحرية، تقدّر قيمتها بأكثر من 25 مليار دولار.