باتت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والحياتية المتفجرة، في حجمها وشموليتها، عصية على الإحصاء، وتواجه بتحركات رافضة للسياسات الرسمية، وتتسع يوما بعد آخر، وتشمل عمّال المياه، وعمّال الكهرباء والمعلمين والأساتذة وموظفي ومستخدمي الإدارة العامة. كل هذه الأزمات ناتجة بمجملها من النهج الاقتصادي المعتمد طوال عقدين. أما تحلل أهل السلطة، حكماً ومعارضة، من المسؤولية فقد بات أمراً مكشوفاً، ومترافقاً مع تفشي كل أشكال الفساد السياسي والإداري، وإهدار المال العام بشكل غير مسبوق، يضاف إلى ذلك تراجع دور الحركة النقابية ووزنها خصوصا العمالية. في ظل هذا الوضع، يواصل المستأجرون القدامى اعتصاماتهم، في بيروت ومختلف المناطق، احتجاجا على قانون الإيجارات الذي أقرّ أخيرا في مجلس النواب، واعتراضا على مساوئ هذا القانون، وفي مقدمها تشريدهم من مساكنهم، وترحيلهم إلى حيث أتوا، أي إلى قراهم التي لن يجدوا فيها فرصة عمل بسبب غياب السلطة التي تتذكر الإنماء المتوازن في المناسبات، أم إلى الهجرة. تشريد الآلاف في موازاة تحرك المستأجرين المستمر، انضم «الاتحاد العمّالي العام»، إلى الحملة الرافضة لقانون الإيجارات، ومطالبة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعدم توقيع القانون، ورده إلى مجلس النواب، نظرا للمساوئ التي تعتريه. ويؤكد الاتحاد أن إقرار القانون الجديد للايجارات «يحمل في طياته تشريد الآلاف من المستأجرين في المحافظات والبلدات الكبرى من المستأجرين الفقراء، ويحوّل الأحياء الشعبية إلى مساحات للمضاربات العقارية، ومشاريع الأبنية الفخمة والأبراج التجارية». كما يؤكد رفض «هذا القانون لأنه قانون تهجيري»، وطالب بـ«وضع خطة سكنية وطنية شاملة توفر بدائل حقيقية للمستأجرين وتنصف صغار المالكين، وانطلاقا من ذلك يطالب المجلس رئيس الجمهورية برد هذا القانون الجائر». اعتصام في الضاحية في هذا الاطار، نظمت «لجنة الدفاع عن المستأجرين في الضاحية الجنوبية لبيروت» إعتصاماً رفضاً لقانون الإيجارات الجديد، وذلك مساء أمس الأول في ساحة البريد ـ شارع صيدا القديمة، وتحدث في الاعتصام المحامي حسين سعيد عن لجنة الدفاع، كما تحدث محمد جابر ومجموعة من لجان المناطق في الشياح والغبيري وعين الرمانة وبرج البراجنة وحارة حريك. في الختام أكدت «لجنة الدفاع عن المستأجرين في الضاحية الجنوبية» أنها ستقيم اعتصامات وندوات «رفضاً لهذا القانون التهجيري بامتياز»، وأعلنت أنها «لن تستكين حتى إسقاط هذا القانون، ومنع تهجير الناس من بيوتهم لمصلحة المصارف والشركات المالية الكبرى». طرابلس: 27 ألف مستأجر ونفذ تجمع المستأجرين في طرابلس («السفير» - طرابلس) اعتصاماً عند مدخل السوق العريض في السراي العتيقة، رفضاً لما اعتبروه «القانون القاهر والظالم»، ورفعت اللافتات المنددة بالقانون. وألقى نبيل عرجة كلمة أكد فيها «أن مشروع تحرير العقود السكنية قبل تأمين البديل هو مشروع فتنة، سيحرق الأخضر واليابس»، معتبرا أن «المشروع الجديد لا يمكن تنفيذه لأنه إعلان حرب على المستأجرين، وإصدار حكم إعدام بحقهم وبحق عائلاتهم، وهو مفتاح الشر الأكبر في لبنان». وناشد عرجة رئيس الجمهورية ميشال سليمان عدم توقيع المشروع، مشيراً إلى أن «طرابلس هي مدينة الفقراء». وقال: «طرابلس الجريحة، طرابلس الأليمة تطالبكم برد هذا القانون الجائر، وطرابلس بحاجة لمن يكتب على هذا القانون مرفوض ليعاد إلى من أقرّه» . أضاف: «طرابلس التي عاشت أكثر من عشرين جولة عنف بات 40 في المئة من أهلها تحت خط الفقر يعانون من التشرد، وطرابلس لا تريد تهجيراً جديداً لأبنائها، أنتم ضمير هذا الوطن وأنتم أدرى بمعاناة أهله، وأدرى بأن في طرابلس أكثر من 27 ألف مستأجر، وشوارع طرابلس القديمة تناديك يا فخامة الرئيس أن لا توقع على هذا القانون الذي هو بمثابة إعلان حرب على المستأجرين، ومشروع إعدام بحقهم وحق عائلاتهم فكن معهم ولا تكن عليهم، ولا تجعل من هذا القانون يشكل تهديداً للسلم الأهلي، فكل الأنظار تتجه إليك فاحمِ هذه الأمة كي لا تقع الكارثة». وتوجه عرجة إلى نواب طرابلس بالقول: «أنتم أدرى بمعاناة شعبكم وبمعاناة أهل مدينتكم وبما يعيشونه من فقر وقهر، وأنهم سيصبحون في العراء، جراء هذا القانون، وسيؤدي في النهاية إلى تقسيم الناس فريقين، سيصبح أحدهما في القبر والآخر في السجن. فمن هنا نناشدكم أن لا توقعوا على إصدار هذا القانون». وعقدت لجنة المتابعة لحقوق أصحاب المحال الصناعية والتجارية والحرفية في باب التبانة اجتماعا في مكتب رئيسها محمد علي كردوفاكي وناقشت «وضع المستأجرين وأحوالهم بعد إقرار قانون الإيجارات». وقال كردوفاكي في بيان له: «لن نقبل بالقانون التشريدي والتجويعي، وإننا في اللجنة ودفاعا عن حقنا في العيش الكريم والبقاء في المأجور الذي نشغله وكي لا نرمى الى الشارع بعد 6 سنوات، وندعو رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى رد قانون الإيجارات التشريدي الى المجلس النيابي». تجمع المالكين نظم «تجمع المالكين» اعتصاما في منطقة المتحف، تحدث فيه عدد منهم، مشككاً بممثلي المستأجرين، معتبراً ان «المالك والمستأجر تعايشا على مر الزمن» وسأل «كيف للمستأجر القديم والمالك ان يختلفا»، لكن البعض منهم في الاعتصام، يقول: «استقبلنا المستأجر في ملكنا، لكن لا نرضى الاعتداء على املاكنا، فهل احتلال البيوت مسموح اليوم»؟ وجرت الاشارة الى ان المالكين القدامى التزموا قرارات الدولة، ولا نرضى بالقول «اننا نهجر المستأجرين من بيروت، ستبقى بيروت لابنائها، لا يحق لمن يدفع 20 الف ليرة في الشهر ان يطالب بتعويض، فلتتحرك قوى الامن لمواجهة من يهددنا، لقد تقدمنا بشكوى امام النيابة العامة التمييزية ضد مجهول يهدد المالكين». واخيرا لدى كل كلمة من صاحب ملك تعلو الصيحات: «وقّع القانون يا فخامة الرئيس». عدنان حمدان - السفير