لم يتسلل اليأس بعد إلى عاملات المنازل اللواتي بدأن معركة واحدة باتجاه التنظيم النقابي. الطريق ليس معبَّداً، لكن الرغبة جامحة للوصول إلى الهدف، وخصوصاً بعد تزايد أعداد المنتسبات إلى اللجنة المنويّ تحويلها إلى نقابة مستقلة. العاملات يعبرن بفرح، على طريقتهن، عن حاجاتهن ويقترحن حلولاً لمشاكلهن
فاتن الحاج - الاخبار
تنشغل روز ورفيقاتها بإنجاز اللمسات الأخيرة لاحتفال «حقوقي». تبدو الفتاة المدغشقرية مزهوة بكون عاملات المنازل نظمن هذا الاحتفال من الألف إلى الياء. تحضر بكامل أنوثتها. تتألق بالزي الرسمي لبلادها. تتحمس للحديث إلى الإعلام عمّا سمته «صورتنا الحقيقية»: «ماذا سأقول؟ في قلبي كلام كثير لا تتسع له كل الصفحات والشاشات. يهمني أن يعلم الجميع أنّنا نساء كاملات. العمل في المنزل ليس كل ما نتقنه. نستطيع أن نعبّر عن مكنوناتنا وما نشعر به بشغف وبطلاقة. نقرأ ونكتب. نأتي من عائلات محترمة، لدينا آباء وأمهات نحبهم ويحبوننا. بإمكاننا إبراز مواهبنا في كل المجالات. نستطيع أن نخرج إلى المجتمع ونظهر جمالنا الخارجي وذكاءنا وحضورنا المميز تماماً كما كل النساء، ويمكننا أن نكون في الصفوف الأمامية للدفاع عن حقوقنا المهدورة تماماً كما كل العمال. قضيتنا واحدة ونخوض المعركة نفسها بمعزل عن جنسياتنا المتعددة. عندما جلسنا معاً وتعارفنا، وجدنا أن لا فرق بين ظروف عمل الفيليبينية والسيريلانكية والمدغشقرية والإثيوبية والبينينية والبنغلادشية والكاميرونية.
باختصار، تريد كل امرأة منا أن تعامل كإنسان». انتظرت العاملات دقائق إضافية بعد الموعد المقرر للمناسبة بانتظار قدوم زميلاتهن من صبرا والطريق الجديدة حيث «هناك كتلة كبيرة من العاملات النشيطات تعمل معنا في هذه المنطقة»، لكن هؤلاء لم يأتين بسبب الأحداث الأمنية عشية الاحتفال. تزجي العاملات الوقت بالتقاط الصور التذكارية للمناسبة، حيث ارتدت كل منهن زي بلادها. تمر الدقائق ثقيلة قبل أن يعتلين مسرح قصر الأونيسكو لينشدن بصوت واحد نشيدهن الجديد. في النشيد دعوة إلى المساواة مع العمال اللبنانيين، ومطالبة بدعمهن لإحداث التغيير وصنع مكانة أفضل للعاملات ولهم. الاحتفال مطلبي بامتياز، وإن آثرت العاملات اختيار مناسبتين عزيزتين عليهن، أي يوم المرأة العالمي وعيد الأم، تقول منسقة مشروع تعزيز حقوق عاملات المنازل المهاجرات في لبنان زينة مزهر. هؤلاء قررن الاستفادة من أي فرصة لرفع أصواتهن المخنوقة، لكن بفرح وبوسائل تعكس ثقافاتهن المختلفة. سمعت مزهر من العاملات أسئلة عما إذا كان يحق للمرأة غير اللبنانية أن تحتفل بيوم المرأة العالمي في لبنان، وإن كانت المرأة، صاحبة العمل، تحترم حق العاملة المنزلية بالنضال من أجل حقوقها كامرأة وكعاملة. تجيب روز عن السؤال الأخير بأنّها لا تظن ذلك. اللقاء بين العاملات بدأ قبل أشهر في إطار المشروع الذي كانت تنفذه منظمة العمل الدولية بالتنسيق بين عدد من منظمات المجتمع المدني بهدف إشراك العاملات في تحديد احتياجاتهن واقتراح حلول لمشاكلهن. وبعد جلسات عدة عقدت تحت مظلة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، تكوّن وعي لدى هؤلاء بضرورة فرض حقهن بالتنظيم النقابي. هكذا ولدت لجنة مشتركة تجمعهن على اختلاف جنسياتهن وقررن خوض المعركة حتى خواتيمها. تدرك العاملات التحديات التي سيواجهنها، وخصوصاً لجهة شرعنة وجودهن ضمن قانون العمل اللبناني. لكن اللجنة تكبر يوماً بعد آخر مع انضمام عاملات كثيرات ينتمين إلى جاليات آسيوية وأفريقية مختلفة. هؤلاء بدأن يدركن أنهن صاحبات القضية والتطوع في اللجنة واجب للاستمرار في الحراك بمعزل عن برامج الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية. العاملات أعددن فعلاً لائحة أهداف تولت كل من إيميه رازاناجاي من مدغشقر وباندالين بينييرو من الفيليبين قراءتها. ما تطلبه العاملات من الحكومة اللبنانية هو شرعنة مهنتهن والسماح لهن بإنشاء نقابة ديموقراطية وإلغاء نظام الكفالة ومعاملتهن معاملة كريمة لدى وصولهن إلى المطار، مع تطبيق العدالة بحقهن في حالات المرض أو الوفاة. أما حكومات بلادهن، فمُطالبة ــ بحسب إيميه وباندالين ــ بإخضاع العاملات لبرامج تدريب على الاتفاقيات الثنائية مع لبنان، لتنظيم التوظيف والضغط باتجاه توفير نظام حماية قانونية لهن في الدولة اللبنانية وإلغاء الحظر. وبالنسبة إلى أصحاب العمل اللبنانيين، تنتظر منهم العاملات تحديد ساعات العمل، والاعتراف بحقوقهن بالراحة المتمثلة بيوم عطلة في الأسبوع وإجازات سنوية، ووقف جميع أشكال الاعتداء الجسدي واللفظي والجنسي، وحمايتهن من المهمات التي تضعهن في خطر. لا تطمح اللجنة، بحسب الفيليبينية جيما جوستو، إلى أكثر من الحصول على الحقوق التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (حق المساواة، الحماية الصحية، الأمن الاجتماعي، الخدمة الاجتماعية، التعليم والراحة، حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي). تسأل: «ما الذي يمنع من إعطائنا الحد الأدنى للأجور وإعطائنا ساعات العمل الإضافية والعطلة الأسبوعية والإجازة المرضية وإجازة الأمومة؟ كيف يكون لبنان ديموقراطياً ولا تعيش فيه عاملات المنازل ويتمتعن بهذه الديموقراطية؟ كل واحدة منا تعتقد أن العمل المنزلي هو العمل الذي يجعل كل الأعمال ممكنة. إعطاؤنا حقنا بالتنظيم النقابي ما هو إلّا البداية، فكل عاملة منزلية في هذه القاعة ستشعر بالرضى عندما تكون محمية من القانون». فرانك هاغمان، نائب المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية، وعد بأنّ المنظمة ستضغط مع شركائها المحليين والدوليين باتجاه توفير بيئة تنظم حقوق العاملات من خلال نقابة رسمية معترف بها من السلطات اللبنانية. لم يحضر وزير العمل سجعان قزي، الاحتفال كما كان مقرراً، بل انتدب مستشاره منير الديك، فاستشهد بقول لباحث اجتماعي في القرن التاسع عشر: «بين الغني والفقير بين القوي والضعيف، القانون يحرر»، واعداً بمناقشة ما سمعه في الاحتفال وحيثيات المبادرة الحقوقية والإنسانية مع المتخصصين في وزارة العمل.
الأجر المتساوي للعمل المتساوي؟
هل هناك نية حقيقية لإيجاد هيكلية نقابية جديدة تتجاوز النقابات العمالية التي باعت نفسها لأصحاب الرساميل ولقوى المال والسلطة؟ وما هي ظروف نجاح هذه الهيكلية؟ يبدو رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله، متفائلاً ليطرح عناوين تضمن حقوق الطبقة العاملة وقابلة للنقاش، ومنها أولاً إقرار حق العمل للجميع وإقرار السلم المتحرك للأجور وتطوير الضمان الاجتماعي وتعديل قانون العمل وإقرار سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام والأجر المتساوي للعمل المتساوي وتحسين شروط العمل وظروفه للعاملات المنزليات. ويقول إن ذلك بات أكثر من ملحّ؛ إذ يئن 20% من المواطنين من الفقر والعوز في الوقت الذي تزداد فيه سطوة المصارف والشركات المالية على كل شيء ويشتد استثمار الإنسان للإنسان.