"نزار مروة".. نموذج المثقف النقدي

"نزار مروة".. نموذج المثقف النقدي
17 Feb
2014

عناية جابر - السفير

 

 

 

لكتاب كريم مروة (إعداده وتقديمه) الصادر حديثاً عن "دار الفارابي" تحت عنوان "نزار مروة، في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته" قصة تعود إلى العام الأخير من القرن، يشرحها مروة في تقديمه: "كان قد مضى على غياب نزار مروة ثمانية أعوام. أصابني حنين جارف إليه كما أصاب هذا الحنين أصدقاء آخرين، كان في مقدمتهم محمد دكروب الذي يعتبر نفسه مثلي صديق عمر لنزار ابتداء من مطلع خمسينيات القرن الماضي (...). تداولت مع محمد دكروب في إمكانية العودة إلى تراث نزار واختيار نماذج من كتاباته في الموسيقى والنقد الأدبي والفني. وقررنا البدء بالعمل. أقمنا ورشة للبحث عن كتابات نزار في المجلات والصحف وفي أرشيفه الخاص (...). وتطوع دكروب للاهتمام بالكتاب الأول المكرّس لكتابات نزار في الموسيقى، على أن يتم الإعداد للكتاب الثاني بعد فترة لا تتجاوز العام. وقد صدر الكتاب الأول بعنوان "في الموسيقى اللبنانية العربية والمسرح الغنائي الرحباني" مع مقدمة لدكروب". باختصار، أخذ كريم مروة على عاتقه الاهتمام بالكتاب الثاني، قارئاً ما كان ودكروب قد جمعاه من كتابات لنزار، مقالاً إثر مقال في الفكر وفي الموسيقى وفي الأدب وفي الفن وخلص إلى اختيار هذه المجموعة التي يضمها هذا الكتاب، مختاراً الابتعاد عن تقديم قراءته الخاصة لتلك المقالات من دون أن يتجنب الاعتراف بأن اختياره للمقالات هو بذاته تعبير عن وجهة نظره في تراث نزار. بمعنى أنه أخذ من تلك المقالات ما رأى فيه تعبيراً عن شخصية نزار وعن فكره وعن الاتجاه الذي اختاره لنفسه في الفكر وفي الأدب وفي الفن.

 

في الكتاب نقع على اكتشافات كريم مروة من خلال مقالات نزار، ما لم يكن يعرفه عن الراحل من فكر نيّر وسعة ثقافة ودقة في تقديم آرائه، دقة حرص فيها على ان يكون مسؤولاً في إعطاء آرائه بالأعمال الثقافية وبأصحابها، وهي بالتحديد مسؤولية المثقف النقدي بامتياز. ويشكل المقال الأول من الكتاب حول المثقف النقدي أصدق تعبير عما يشير إليه كريم مروة من إحساس عميق عند نزار بالمسؤولية.

 

ثمة خلل لا بد، يتمثل في عدم الإشارة إلى تواريخ المقالات وإلى المكان الذي نشرت أو قرئت فيه، يعزوه مروّة إلى نقص يعود إلى ان الذين كان قد كلفهم سابقاً بمهمة جمع المقالات وتصويرها، فاتهم تسجيل تلك التواريخ، ما أوجد صعوبة في تصحيح هذا الخلل لأن التصحيح كان سيقود إلى تأخر إصدار الكتاب، إذ اعتبر مروّة أن المهم في هذه النصوص التي كتبت في زمانها العائد إلى حياة نزار هو ما جاء فيها من مواقف وآراء وأفكار تعود إلى نزار بالذات الذي انقضى على غيابه واحد وعشرون عاماً.

 

سيرة حياة نزار، وسيرة نشاطه الثقافي، تطوّع مروّة لتقديمهما استناداً إلى معرفته التفصيلية بحياته منذ بواكير عمره تحت ما أسماه "مدخل إلى عالم نزار مروّة في ما يشبه السيرة"، وهو مدخل يقدم للقارئ الكثير مما يمكن أن يكون واسطة معرفة بهذا المثقف المميّز في تاريخنا اللبناني، والعربي الحديث.

 

أقسام ستة أضاءت على فكر الراحل، إلى ملحق "نزار مروة في عيون أصدقائه"، كتب فيه كل من وليد غلمية ومارسيل خليفة وعباس بيضون وإبراهيم العريس وكاتبة هذه السطور، في مقال أعاد لي نكهة علاقتي بفكر الراحل، فلطالما انتقد الرجل بصدق، وكتب بإخلاص، بنى ذائقة وعلّم، ولو اختلف المرء معه في حدود التعليم وعليها، كمثل طرحه فكرة لا بد من نقاشها ثانية، هي فكرة ان التطريب يعيق الموسيقى العربية في تطورها. غير أن ذلك لم يطغ ولو لمرة واحدة على شرحه لجماليات القطع الموسيقية موضوع نقده.

الأكثر قراءة