«خيمة جورج عبدالله»: اعتصام وأمل.. وثورة

لينا فخر الدين

هنا السفارة الفرنسية.. لا تعرفها من اعلامها البيضاء والزرقاء والحمراء، ولا من الكلمتين الفرنسيتين «المزروعتين» بلون ذهبي على بوابتها «l’embassade de france».. كلّ هذه «العلامات الباريسية» لا تلفت نظرك ولا تدلك على «المطلوب»، بل ما كتب على الجدار الحجري الخارجي بألوان مختلفة، ولكن جاذبة، كـ«هنا السفارة الأميركية الفرع الثاني»، إلى «سجن غوانتنامو في فرنسا»، و«سفارة فرنسائيل».

في شارع الشام ـ المتحف، تتناسل ثورة جورج عبدالله. شبان وشابات يفترشون الرصيف الجانبي. الحدود معروفة بالنسبة لهم، فـ«خطهم الأزرق» ينتهي عند القضبان الحديدية التي وضعتها القوى الأمنية، منذ قرر هؤلاء أن تولد خيمتهم من رحم «الظلم الفرنسي» الذي ما زال يقبض على جورج دون وجه حق.

الحياة في الخيمة طبيعية. مقوّمات الحياة الأساسية موجودة، خمسة أسرة وتوابعها مصفوفة جنباً إلى جنب، وزجاجات مياه وطعام.. من ينام في الخيمة؟ إنها «أم المشكلات»، فالكلّ يريد أن تكون له حصة على هذه الأسرة. يأتي أحد الشبان ويجاهر بهويته: «صار عمري 18 سنة وأصبحت بالغاً». هو لا يريد إلا هدية واحدة. شرف النوم في الخيمة..

بعد الساعة الثالثة من بعد ظهر كلّ يوم، يرص «الرفاق» صفوفهم، ويبدأ أصدقاء جورج عبدالله بالتوافد، فالجلوس إلى جانب الخيمة تحوّل إلى تقليد لا بد منه بعد انتهاء أعمال ومدارس وجامعات هؤلاء. الجلوس هنا يعني التضامن مع جورج، بكلّ بساطة.

المتضامنون والجالسون أمام الخيمة كثر، ولكلّ دوره، فـ«إدارة الثورة» مقسمة على محامين وصحافيين وناشطين متحمسين.. فيما تصف إحداهن عائلة عبدالله بأنها «الجناح الحكيم» التي تحضر إلى الخيمة «وتعلّمنا القوة والصبر، فعندهم لا مكان للضعف».

قد لا يكون الجميع منسجماً في «بيئة الخيمة»، ولكن «قضية جورج تجمعنا».

هؤلاء سينتظرون ما سيؤول إليه الوضع في فرنسا اليوم، بعد الجلسة النهائية ـ مبدئياً ـ لترحيله، أو تأجيل الجلسة بسبب دعوى الاستئناف التي رفعتها النيابة العامة الفرنسية، وعليه ستتحدّد «خارطة الطريق»، «فنحن سنتجمّع أمام السفارة بعد ظهر اليوم، فإما أن نحتفل ـ وهذا الإحتمال بات ضعيفا ـ وإما أن...».

هنا لا مجال للتكهّن كيف سيكون عليه الوضع في بيروت، فكلمة «اقتحام السفارة» تتردّد على لسان المتحمسين، في حين أن المتريثين منهم يعرفون أنهم لا يستطيعون صدهم.

يدرك «أصدقاء جورج عبدالله» كيف أن الكره لـ«الفرنساوي» يكبر يوماً بعد يوم. هذا الكره ليس حكراً على جمهور الخيمة، وإنما يروي أحدهم كيف جاءته ابنته بعد رفض توقيع وزير الداخلية الفرنسي على ترحيل عبدالله، تشكو من أنها لا تريد أن تتعلّم اللغة الفرنسية في المدرسة، اما الأب الذي ساند جورج منذ 28 عاماً فيردد أن فرنسا تتعمد زرع الكره بها، في بيئة مستعدة لأن تكون على غير هذه الصورة.

في المقابل، هناك من يستخلص بعد كلّ هذا الظلم الذي لحق بجورج، أن «فرنسا الثورة» ذهبت إلى غير رجعة، ولكنهم يتأملون خيراً «في صعود تيار سياسي»، إن صح التعبير، «يقف بمواجهة التيار الذي يريد حماية المصالح الأميركية، وهذا التيار يريد الانتهاء من كلّ المشكلات التي رمتها الإدارة الأميركية على أكتاف «الباريسيين»، ومن بينها قضية جورج عبدالله».

وبالرغم من الأمل الذي يتمسكون به، فإنهم يعلمون ان الإستئناف الذي حصل من قبل وزارة العدل غير قانوني وكذلك ما فعله وزير الداخلية، ولكن ليس في يد هؤلاء حيلة سوى التشبث بمبادئ عبدالله الذي لا يعتذر ولا يتراجع، وبالتالي فإن الاعتصام أمام السفارة الفرنسية باقٍ حتى تعلن فرنسا الإفراج عن «رهينتها».

الأكثر قراءة