بسام القنطار, آمال خليل
«سيمحّص المدعي العام في كل كلمة أقولها الآن، بحثاً عن المشبوه منها ليعمل على تأويله لادّعاء حجج تساعده وأسياده على تأكيد رفض إطلاق سراحي». يقول جورج عبد الله في رسالة أذيعت في التظاهرة التي نظمتها أمس الحملة الدولية لإطلاق سراحه. ويضيف «هكذا فعل في جلسة العاشر من الشهر الجاري، وهذا ما سيفعله ربما في الجلسة المقبلة في ٢٨ الجاري».
قدم عبد الله، من خلال رسالته، توصيفاً دقيقاً للدوافع السياسية التي تجعل الإدارة الفرنسية تعارض إطلاقه، فالكلمات «الأكثر شبهة» التي تسجلها ضده هي «فلسطين» و«أسرى فلسطين» و«جماهير فلسطين»، و«المقاومين، كل المقاومين، وبشكل خاص المقاومة البطلة في لبنان». طبعاً، لا تقل عن ذلك شبهة كلمات مثل «استعمار» و«إمبريالية» و«صهيونية» و«رجعية».
وفي إشارة واضحة الى انزعاج الحكومة الفرنسية من التحركات الشعبية المطالبة بإطلاقه، أكد عبد الله أن الادعاء العام الفرنسي سينزعج بالتأكيد من «الإشارة الى الحراك الجماهيري الراهن والآمال المعقودة، رغم كل التعقيدات والإشكالات، على طلائعه العاملة على عزل القوى المرتبطة بالدوائر الإمبريالية والموجودات الرجعية المتصهينة منها بالأخص، والتي ستبقى بمثابة قرائن دامغة تبرر وتستوجب رفض إطلاق سراحي وفق المدعي العام (الفرنسي) ومن يقف خلفه». ليختم: «أيها الرفاق، أيها الأحبة. إن فعالياتكم التضامنية هي التي ستجبر في النهاية القوى الإمبريالية على احترام قوانينها، فلطالما داستها دون تردد في كل مرة تعارضت فيها مع مصالحها. نعم لفضح تنكر الإمبرياليين لقوانينهم. نعم لفضح مناوراتهم الدنيئة. نعم للتضامن مع مشاعل الحرية في قلاع الكرامة، أسرانا الأبطال الصامدين في فلسطين العروبة، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار. خالص تحياتي لكم جميعاً. أخوكم ورفيقكم جورج عبد الله».
يخفت صوت المذياع، فتصدح حناجر الرفاق «حرية... جورج عبد الله»، تليها رشقات من البيض والبندورة على الباب الرئيسي للسفارة الفرنسية، التي وقف لحمايتها عدد كبير من عناصر مكافحة الشغب، أما أطفائية بيروت فلم تحتج لرش المياه على المتظاهرين، حيث تكفلت سماء بيروت بزخة مياه استمرت منذ بدء الاعتصام ولم تتوقف عند انتهائه.
«يا فرنساوي اسمع جورج عبد الله مش رح يركع»، يهتف الطفل حمد سليمان، القادم من عكار العتيقة، فيرد وراءه الشباب الغاضب على بقاء عبد الله رهينة لدى الفرنسيين. شاشات التلفزة التي نقلت الحدث كانت كفيلة بتلقي المنظمين اتصالاً من وزير الداخلية مروان شربل الذي دعاهم للقائه عند الثانية من بعد ظهر اليوم. وفي حين ترددت شائعات عن إنهاء الاعتصام وفك خيمة التضامن، أعلن حسن صبرا، باسم الحملة الدولية، أن الاعتصام مستمر ولن يتوقف حتى نيل عبد الله حريته.
وكانت الحملة قد نظّمت أول من أمس اعتصاماً أمام مقر الوحدة الفرنسية العاملة ضمن قوات اليونيفيل في دير كيفا (قضاء صور). ومن بيروت والمناطق، ومن صريفا المجاورة ومحيطها، تقدم موكب سيار وراجل إلى مقر الوحدة الواقعة عند مدخل بلدة برج قلاويه لناحية دير كيفا. لم يكن الجنود الفرنسيون بانتظارهم لاستقبالهم والاستماع لشكواهم، بل كانت قوة من الجيش اللبناني قد انتشرت عند مداخل الوحدة لمنع أي منهم من الاقتراب. لكن أصدقاء جورج لم يكونوا بوارد التصعيد. أكد منظمو الاعتصام أنه سلمي يهدف إلى لفت الأنظار إلى القواسم المشتركة بين لبنان وفرنسا: «هني عندن رهينة واحد ونحنا عنا ألف رهينة»، في إشارة إلى عديد أفراد الوحدة الفرنسية ضمن اليونيفيل الذي يبلغ حوالى 1500 جندي. العشرات من الشباب والنساء والأطفال تنادوا حاملين لافتات كتبوا عليها «الحرية لجورج» و«جورج مسجون من فرنسا ومن صهيون». وتليت في الاعتصام رسالة احتجاجية باللغة الفرنسية عبر مكبرات الصوت. فيما تحدث حسن رمضان مشيراً إلى «أننا جئنا إلى مقر الوحدة الفرنسية لنبعث برسالة إلى الحكومة الفرنسية عبر جنودها عن مظلومية جورج عبد الله»، مطالباً الجنود بالتحرك في بلادهم للمطالبة بالإفراج عنه. جوزيف عبد الله، شقيق جورج، تلا رسالة من جورج عبد الله إلى المعتصمين حيّاهم فيها وحيّا شهداء صريفا والجنوب والإجماع الوطني حول المقاومة.
انضباط الاعتصام الذي جهد المنظمون على استتبابه لم يدم طويلاً. سارع عدد من الشبان حاملين اللافتات وصور جورج إلى قطع الطريق أمام آلية عسكرية كانت تحاول الخروج من مقر الوحدة باتجاه صريفا. إلا أنها أجبرت على التراجع وتغيير مسارها. في المقابل، تسلق شاب من بين المعتصمين جدار الوحدة المحمي بالأسلاك الشائكة، محاولاً كتابة شعار الحرية لجورج عبد الله. إلا أن جندياً لبنانياً لحق به وأصر على إنزاله بالقوة حتى وقع على الأرض. وسرعان ما رفع الجنود من إجراءاتهم ليشددوا الطوق أمام المقر.
ونقل أهالي صريفا أن الجنود الفرنسيين خففوا من دورياتهم الميدانية الروتينية التي يجوبون فيها الشوارع في منطقة عملهم التي تقودهم إلى مختلف بلدات الجنوب.
الاثنين ٢١ كانون الثاني ٢٠١٣