إرهاب في سبينيس

تعرّض عضو من هيئة النقابة للضرب لثنيه عن نشاطه الحقوقي

 

فيما سيطرت حالة رعب عامّة على لبنان بمجمله، بوجود المسلحين في الشارع وقطع الطرقات، مرّ موظّفو «سبينيس» بترهيب من نوع آخر، وصل إلى أوجه بالتعدي ضرباً على عضو الهيئة التأسيسية لنقابتهم مخيبر حبشي

حسن شقراني

تحت جنح الظلام، وتحت جنح المخاوف الأهليّة من لحظة جديدة تُشبه تلك التي حلّت في نيسان 1975، تعرّض عضو الهيئة التأسيسية لنقابة العمال في «سبينيس ــ لبنان»، مخيبر حبشي، للضرب في إطار المسلسل المستمرّ لوأد العمل النقابي في العملاق التجاري الذي يملك 7 فروع على امتداد الأراضي اللبناني.

فبعد انتهائه من عمله في فرع ضبية ليل أوّل من أمس، وجد هذا النقابي نفسه في موقف حاول كثيراً تجنّبه خلال المرحلة الماضية، إثر تلقّيه تهديدات مباشرة: «إما تترك النقابة وإما تكسَّر عظامك في الشركة وتذهب إلى المستشفى». يقول مخيبر حبشي وهو من المؤسسين للحراك النقابي في الشركة: «وصلتني تهديدات كثيرة في الآونة الأخيرة، بأن أسعى إلى نقلي من عملي في هذا الفرع من الشركة أو أتخلّى عن عملي النقابي». يوضح: «جاءت تلك التهديدات مباشرة من وليم طوق ــ وهو نجل النائب السابق جبران طوق، وهو فاعل في فرع ضبية التابع للشركة ــ وعبر أزلامه وسائقه». وعندما حلّ منتصف ليل الاثنين ــ الثلاثاء حين كان الموظف يهمّ بترك عمله حصل ما كان يخشاه: «اعترضني هؤلاء في موقف السيارات وبدأوا بضربي، تحديداً على رأسي وفي أكثر من موضع». نُقل الموظف المعتدى عليه إلى المستشفى حيث أُعدّ تقرير طبي في الحادثة ووضعه، وجرى التقدّم بشكوى رسمية. للأمانة، كان مخيبر حبشي يسعى «إلى تجنّب المشكل» وهو طلب فعلياً من إدارة الشركة ــ عبر تقرير خطّي رفعه إلى إدارة الموارد البشرية ــ نقله إلى فرع آخر، غير أنّ سعيه باء بالفشل. وأكثر من ذلك، طلب حصوله على فرصته السنوية للابتعاد قليلاً عن حالة الترهيب؛ لكونه لا ينوي أبداً التخلي عن عمله النقابي، ولكن أيضاً لا استجابة. بعد الحادثة المشؤومة، يبدو مخيبر حبشي أكثر تمسّكاً بموقفه: «مهما حدث، وإن تعرّضت للضرب مرة ثانية وثالثة، سأبقى في النقابة، فهي أضحت روحي... لو أنّك وتعرف ما يحصل في داخل الشركة لفهمت لماذا أفكّر على هذا النحو». يقصد حالة الرعب التي تفرضها إدارة الشركة بمختلف الطرق على موظفيها لمنعهم من الانتساب إلى النقابة والمشاركة في انتخابات مجلسها بعد 4 أشهر من التقدّم بطلب إنشاء النقابة لدى وزارة العمل لمواجهة ممارسات الإدارة التي وثّقتها منظمة العمل الدولية عبر رسالة التضامن الشهيرة مع العمال التي بعثتها منظمة العمل الدوليّة. ووفقاً لما علمته «الأخبار»، تعرض بعض من الناشطين النقابيين للضغط لتوقيع ورقة تخلّيهم عن النقابة بحضور كاتب عدل، غير أنهم عدلوا في ما بعد وسحبوا تواقيعهم بحضور كاتب عدل أيضاً، بحجّة أن تواقيعهم كانت ناجمة عن الخوف. ووفقاً لناشطين متابعين للوضع النقابي في الشركة، «هناك جهاز خاص متفرّغ في الشركة يستدعي الناس لتهديدهم بالضغط ونقلهم إلى فروع أخرى بعيدة ساعات طويلة عن مكان سكنهم لدفعهم إلى التخلّي عن عملهم النقابي». وليس مثال مخيبر حبشي سوى النسخة الأكثر فظاعة من التعرّض للعمال النقابيين، ويبدو أن الفاعلين قصدوا أن تصل الرسالة بقوّة وعلانيّة إلى كلّ من تسوّغ له حقوقه الانخراط بالعمل النقابي. وفي هذه الحالة يُصبح الوضع خارجياً كلياً عن أواليات علاقات العمل ــ ومجالس العمل التحكيمية لحسم النزاعات ــ وفي المجال الجنائي مباشرة. وتأتي هذه الممارسات مع دعوة الهيئة التأسيسية إلى انتخاب مجلس النقابة، «ليكون الجو عبارة عن رعب بكل معنى الكلمة»، يُتابع الناشطون أنفسهم. وأدانت الهيئة التأسيسية لنقابة العاملين في «سبينس ــ لبنان» ما تعرّض له مخيبر حبشي، وقالت في بيان أمس، إنّ الاعتداء يأتي «إكمالاً لمساعي الشركة لإكراه أعمدة الهيئة على الاستقالة منها أو من الشركة أو ترهيبهم لحسر أعمالهم فيها، بدليل أن التهديد رمى أساساً إلى انتزاع استقالة القيادي المعتدى عليه من النقابة». ووضعت الهيئة الحادث في سياق «تصرّفات الشركة منذ بدء الحراك العمالي»، حيث عمدت إدارتها إلى «صرف ونقل وتدابير انتقامية وتمييزية وإرهاب وتخويف». ورأت أنّه «لا يمكن وضعه في خانة التجاوزات أو التعسف الذي قد يرتكبه رب العمل في حدود إدارة مؤسسته، إنما بات عملاً ترهيبياً ينتهك كرامة الأجراء ويستبيح حقوقهم وحرياتهم الأساسية، ما يجعله جرماً جزائياً محققاً وفق المادة 329 عقوبات». وطلبت الهيئة من وزير العمل سليم جريصاتي «أن يقوم بدوره لحماية النقابيين والعمال» وإبطال مفاعيل «الأعمال الجرمية المرتكبة من الشركة» وفي مقدّمتها صرف الموظفين النقابيين ميلاد بركات وسمير طوق. يُشار إلى أن الإدارة عمدت إلى طرد بركات وطوق بعدما حرّكا الملفات الحقوقية في الشركة، وتحديداً بعدما فرضت إخراجاً خاصّاً لتصحيح الأجور مخالفاً لمرسوم تصحيح الأجور الصادر في بداية عام 2012. وطلبت الهيئة التأسيسية من النقابات المهنية في البلاد ووسائل الإعلام والسياسيين دعمها وإثبات تعهداتهم بحماية الحريات العامة، وجدّدت دعوتها العاملات والعاملين في الشركة إلى الانتساب إلى النقابة لضمان حرية العمل النقابي. إلى ذلك، أعرب اتحاد النقابات العمالية للطباعة والإعلام تضامنه مع مخيبر حبشي وعمال «سبينيس»، وطالب المسؤولين بملاحقة المعتدين والمحرضين

آخر تعديل على Wednesday, 24 October 2012 08:45

الأكثر قراءة