في موازاة تحرّك أصحاب المطاعم والمقاهي للمطالبة باستثناءات على قانون «الحدّ من التدخين» بما لا يضرّ بمصالحهم، تحرّك باحثون أمس للتأكيد على أن عدم تطبيق القانون يتسبب أيضاً في خسائر للدولة
راجانا حمية
قبل سريان قانون حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة (رقم 174) في الثالث من الجاري، قامت وزارة الصحة، بالتعاون مع جامعة هارفرد، بتجربة «قياسية» للسموم الناتجة من التدخين في الأماكن السياحية ــ المطاعم مثالاً. يومها، وفي أحد تلك المطاعم «تلّتت» الآلة، بعدما فاق مقياس السموم قدرتها. والمضحك في الأمر أن تلك الآلة استطاعت، قبل أن تتعطّل، قياس نسبة السموم الناتجة من دخان السيارات في نفق سليم سلام. وما هو مضحك أكثر، أن المطعم الذي عجزت الآلة عن قياس نسبة سمومه، هو اليوم أحد المطالبين «باستثناءات على القانون 174»، تقول رانيا بارود، نائبة رئيس جمعية حياة حرّة بلا تدخين.
رغم ذلك، لم يتوان صاحب هذا المطعم عن المطالبة باستثناءات تحمي مدخنيه، كما لم يتوان الكثيرون عن هذه المطالبة، ومنهم نقابة أصحاب المطاعم والملاهي والمقاهي التي أجرت دراسة مؤخراً تقدّر فيها خسارة القطاع بـ50 مليون دولار أميركي سنوياً. لكن، هل نسبة الربح هي أصلاً 50 مليون دولار أميركي؟
ثمة مبالغة في هذا التقدير، يقول الدكتور جاد شعبان، الأستاذ المساعد في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، والذي حاضر أمس في الجلسة التي نظمتها مجموعة البحث للحد من التدخين في الجامعة حول «الأثر الإيجابي لقانون حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة على الاقتصاد عموماً والسياحة بصورة خاصة».
فلنبدأ بالـ50 مليون دولار أميركي، المبلغ السنوي الذي «ستخسره» الأماكن السياحية المنتفضة اليوم على الحرب على المدخنين. فمقابل هذه الخسارة المفترضة، «ثمة 55 مليوناً أخرى ستخسرها الدولة سنوياً من جراء عدم تطبيق سياسات قوية للحد من التدخين، بما فيها ارتفاع الفاتورة الصحية»، يتابع شعبان.
وإلى الخمسين مليون دولار التي قدّرها أصحاب المطاعم، يضيفون خسارة جديدة قدروها بـ25% من عائداتهم التي ترتكز على السيّاح، على اعتبار أن «أحد مصادر جذبهم هي النارجيلة». وهنا، تكمن «الاختزالية» للقدرة الاستقطابية للقطاع السياحي، بحسب شعبان، إذ «لا يوجد إحصاءات علمية تظهر أن النارجيلة هي وحدها التي تستقطب هؤلاء إلى لبنان». لكن، هل فكّر هؤلاء عند احتساب خساراتهم بتقدير الأرباح التي يمكن أن تتأتى عن هذا القانون؟ فبحسب شعبان، ثمة أرباح «لا تقدر بثمن»، ولعل أهمها «الربحان» المتأتيان عن «ارتفاع الإيرادات نتيجة ارتفاع عدد الزبائن الجدد غير المدخنين الذين يطالبون بمكان خال من التدخين، وهم الذين يقدرون بـ62%»، و«انخفاض الفاتورة الصحية للموظفين والتي يتكبدها صاحب العمل»، يقول شعبان. وبحسب أكثر من دراسة عالمية «فهناك ما لا يقل عن 200 ألف عامل في القطاع السياحي سنوياً يموتون من جراء التدخين السلبي». وتعقيباً على هاتين الإيجابيتين، سيكون المواطن «مرتاحاً» في دخله، نتيجة «ارتفاع القدرة الشرائية لديه المتأتية من انخفاض نسبة التدخين لديه والصرف المتعلق بالصحة»، والمؤسسات «مرتاحة في عملها نتيجة لانخفاض عدد الإجازات المرضية». وهو ما بيّنه النائب روبير فاضل عندما تحدث عن تجربة «العام» في مجمع ABC، الذي يضم 40 مطعماً، حيث «بتنا نرى زبائن جدداً من غير المدخنين، أو المدخنين المؤيدين لقرار حظر التدخين». وإن كان ثمة من استاء من القانون فهو «زبون واحد في مطعم واحد». لا أكثر ولا أقل.
ولتأكيد المؤكد، طرحت ريما نقاش، المتخصصة في تعزيز الصحة والصحة المجتمعية، نماذج لتجارب ناجحة في عدد من الدول، منها تركيا التي أدى تطبيق القانون فيها إلى انخفاض عدد المدخنين من 31% إلى 15% مع زيادة 5% على العائدات، وفرنسا وإيطاليا وفنلندا... وعلى هذا الإساس، و«إيماناً» بنجاح التجربة هنا في لبنان، خرج المؤتمرون بدعويين: الأولى للدولة من أجل التشدد في تطبيق القانون، والثانية لأصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي «كي لا يحوّلوا مساحاتهم إلى مقابر مفتوحة ومراكز انتحار جماعي»، تختم بارود.
ميقاتي يتفهم
أبلغ رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وفد نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان أن «الحكومة ملتزمة تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن المقفلة تطبيقا كاملاً». وقال خلال استقباله لهم أمس إن «الحكومة التي تقدر معاناة العاملين في القطاع السياحي عموما واصحاب المطاعم خصوصا، لا يمكنها ان تتجاهل الارتياح الذي احدثه بدء تطبيق القانون لدى المواطنين والهيئات الاهلية. وهي اذ تتفهم الاسباب التي دفعت المعترضين الى التحرك، تعتبر ان الاقتراحات التي قدمتها نقابة اصحاب المطاعم لإدخال تعديلات على القانون، يمكن ان تكون موضع بحث بين الحكومة ومجلس النواب والنقابات المعنية، على أن تؤخذ في الاعتبار ضرورة المحافظة على الايجابيات الكثيرة التي يؤمنها القانون وذلك بعد ان يعطى المجال لتطبيقه لتبيان مفاعيله الايجابية والسلبية، وتقييم الخطوة التالية». ورأى انه «قد يكون من المفيد تشكيل لجنة مشتركة من الوزارات المعنية ومجلس النواب وممثلين عن النقابات المعترضة مهمتها درس المسألة من كل جوانبها بعيدا عن الخطوات السلبية والاضرابات والإقفال، وذلك للوصول الى قواسم مشتركة تجمع بين ايجابيات القانون من جهة ومصلحة المطاعم والمؤسسات المعنية وديمومتها مع العاملين فيها».
من جهته، أكد رئيس النقابة بول عريس أن النقابة تحت سقف القانون، «وما يهمنا هو ان نتمكن من تعديل هذا القانون في اسرع وقت ممكن لتأمين استمرارية عمل بعض المؤسسات من مقاه ومراكز سهر ليلي». مضيفاً أن «دولة الرئيس تفهم الوضع خاصة حين قدمنا له أمثلة عن تعديل القوانين في بلدان اخرى».
كذلك زار الوفد وزير الصحة العامة علي حسن خليل، الذي أكد احترام القانون، مشيراً إلى أن «أي تعديلات عليه تحتاج إلى تعديلات تنظيمية ترتبط بأكثر من وزارة معنية في هذا المجال».
الاربعاء ٥ أيلول ٢٠١٢