قانون الحدّ من التدخين: غداً يوم آخر

«صار في قانون يمنع الخطف... القانون 174 يمنع خطف أرواح 10 لبنانيين كل يوم. 10 لبنانيين يموتون يومياً بسبب التدخين وما حدا بيسأل». هكذا اختارت صفحة دعم «قانون الحدّ من التدخين» على موقع الـ«فايسبوك» الردّ على التعليقات التي تناقلها المنزعجون والمتضرّرون من نفاذ القانون الذي يحظر التدخين في الأماكن العامة المقفلة بدءاً من اليوم

بسام القنطار

كالعادة يستسهل اللبناني تعداد المشاكل التي يعانيها منذ عقود للردّ على أي محاولة جديدة لتطبيق القوانين المتعلقة بالسلامة والصحة العامة. كتّاب وصحافيون ومثقفون ورسامو كاريكاتير انضموا إلى أصحاب المطاعم والملاهي، وجوقة واسعة من المدخنين الذين اكتشفوا فجأة أن في لبنان قانوناً للحدّ من التدخين، وبدأوا بشنّ حملة على تطبيقه. «عدة الشغل» جاهزة طبعاً، من مدخنة الزوق إلى الاضطرابات الأمنية وعمليات الخطف وحرق الدواليب وإغلاق الطرقات. الجميع يسأل: هل الأولوية للحدّ من التدخين الآن؟

سؤال الأولويات هذا هو نفسه الذي طرح عندما تشدّد الوزير السابق زياد بارود في تطبيق قانون السير، وتحديداً في إلزامية وضع حزام الأمان في السيارات. وفيما تتجه الأنظار إلى أداء وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في تطبيق قانون الحدّ من التدخين، اختار وزير السياحة فادي عبود أن يتنصل مبكراً من التشدد في تطبيق القانون عبر التذرّع بعديد الشرطة السياحية. بدوره يتجاهل وزير الصحة علي حسن خليل توقيع مرسوم تنظيم أغلفة التبغ التي تلزم إدارة حصر التبغ والتنباك بوضع تحذير صحي بنسبة ٤٠٪ على علب الدخان. أما وزير الاقتصاد والتجارة نقولا النحاس، فلا يزال يتنصل من تحرير غرامات بحق المؤسسات التي تخالف الحظر المفروض على إعلانات التدخين، رغم أن هيئة الاستشارات في وزارة العدل قالت رأيها صراحة بعدم جواز وضع أي إعلان للتبغ، مباشر أو غير مباشر داخل المؤسسات التجارية.

وفي مقابل الأداء الرسمي المتعثر، احتفلت أمس الجمعيات المدنية التي تعمل من أجل تطبيق قانون الحد من التدخين ببدء سريان التطبيق الشامل لحظر التدخين في المطاعم والملاهي والمقاهي، وذلك بعد مرور عام على الحظر في المؤسسات العامة والخاصة وأماكن العمل ووسائل النقل، من دون أن يحرّر ضبط واحد بحق المخالفين، باستثناء التشدّد الملحوظ الذي يشهده مطار رفيق الحريري الدولي.

احتفالات الجمعيات الأهلية، يقابله «عزاء جماعي» من قبل أصحاب المؤسسات السياحية التي ترى أن منع التدخين داخلها سيسبّب خسائر مالية كبيرة. ولقد هدّد عدد منها بالاعتصام والتظاهر ضد تطبيق القانون (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة). وتطالب نقابة أصحاب المقاهي والمطاعم بتعديل المادة الخامسة من قانون الحدّ من التدخين، بحيث يسري الحظر على صالات الشاي والحلويات ومحالّ بيع السندويش وعلى المطاعم المخصصة لإعداد المأكولات، على أن تستثنى المقاهي والملاهي والنوادي الليلية والمراقص والحانات. وتطالب أيضاً بأن يسمح بتقديم النراجيل في المطاعم بشرط تجهيزها بآلات تهوية وتصفية، وعدم دخول الزوار دون سن الثامنة عشرة إليها. ومن المعلوم أن أصحاب المطاعم والفنادق قد ضغطوا بقوة لوضع هذه الفقرة أثناء مناقشات المجلس النيابي للقانون، التي امتدت إلى ما يزيد على ست سنوات. ونجحوا في الحصول على فترة سماح لمدة سنة قبل تطبيق الحظر، وسمح لهم بتقديم النراجيل في الباحات الخارجية غير المقفلة، لكنهم يتذرّعون اليوم بكساد الموسم السياحي هذا العام. ولقد كلفت النقابة شركة «إرنست أند يونغ»، وهي شركة عالمية تعد شركات التبغ من أهم زبائنها، إعداد دراسة تبيّن الأثر الاقتصادي لتطبيق قانون الحد من التدخين في لبنان. الدراسة التي نشرت على نطاق واسع تجري مقارنة بين قوانين الحد من التدخين في كل من ألمانيا واليونان والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وقطر وسوريا والولايات المتحدة الأميركية ولبنان. وتدعي أن تطبيق حظر التدخين والنرجيلة في المؤسسات السياحية سيُسهم في خسارة ٢٦٠٠ وظيفة وبخسائر مالية تصل إلى ٤٦ مليون دولار أميركي! وفيما تتجاهل الدراسة الإشارة إلى أن القانون اللبناني يسمح بالتدخين في الباحات الخارجية للمطاعم (ومعظمها متوافرة)، تسلط الضوء في المقابل على بعض التشريعات التي سمحت بالترخيص لما يطلق عليه «صالات تدخين الشيشة» في عدد من الدول، علماً بأنه يمنع في هذه الصالات تقديم الأطعمة والأشربة.

وتقول الدراسة إن تطبيق القانون سيسبب خسارة ٢٥٪ من أرباح المؤسسات السياحية وفقدان ١٤٪ من اليد العاملة، مع فارق يطاول المقاهي تحديداً، يصل إلى ٤٣٪ خسائر وفقدان ٢٩٪ من اليد العاملة. كذلك قدمت الدراسة استطلاع رأي يقول فيه ٧١٪ من المستطلعين إن الحكومة اللبنانية لن تستطيع تطبيق القانون، فيما يقول ٨٢٪ منهم إن القانون يعطي فرصاً إضافية للمزيد من الفساد والرشوة.

في المقابل، تقدم الجامعة الأميركية في بيروت أرقاماً مغايرة لتلك التي تقدمها هذه الدراسة، وتستند إلى دراسات ميدانية أعدتها الجامعة.

ريما نقاش، مسؤولة وحدة الأبحاث للحدّ من التدخين في الجامعة، أكدت لـ«الأخبار» أن الدراسات التي تقوم بها شركات مموّلة ومرتبطة بشركات التبغ العالمية لا يمكن التعويل عليها ولن تخدعنا. وأضافت: «إن الأبحاث التي أُجريت في العديد من الدول التي طبقت قوانين الحدّ من التدخين أظهرت أن نسبة التوظيف في المطاعم إلى ارتفاع والعائدات أيضاً، وخصوصاً أن عدد غير المدخنين أعلى بكثير من المدخنين. لذلك، إن فرص المطاعم بالاستفادة من إنفاق غير المدخنين ستصبح أعلى.

وبحسب دراسة علمية أجرتها وحدة مكافحة أمراض السرطان في منظمة الصحة العالمية، فإنه لا يمكن قياس الأثر الاقتصادي للحدّ من التدخين في المؤسسات السياحية إلا بالاستناد إلى الأرقام الرسمية، ومنها الضرائب وعدد الرخص الجديدة ونسبة التوظيف، وجميع هذه الأرقام يجب أن تدرس قبل تطبيق القانون وبعد مرور عام على تطبيقه لكي تكون المقارنة منصفة.

احتفالات دعم

نظمت بلدية عبيه ــ عين درافيل وجمعية اليد الخضراء والتحالف اللبناني للحدّ من التدخين أمس مجموعة نشاطات رياضية ثقافية بيئية وصحية لدعم تطبيق القانون. وشارك في النشاط مدير منظمة الصحة العالمية في لبنان حسان البشرى وممثل تحالف الاتفاقية الدولية للحدّ من التدخين هاني الجهنامي، ورئيس تجمع «قل لا للعنف ضد المرأة» طارق أبو زينب، ورئيس بلدية عبيه غسان حمزة.

الاثنين ٣ أيلول ٢٠١٢

الأكثر قراءة