مساء أمس، كان مشاهدو الأخبار على موعد مع تجربة جديدة ومغايرة، في مقدّمات نشرات الأخبار. وما هي إلا دقائق على قراءة ديما صادق مقدّمة النشرة المسائية، حتى صار مضمونها متداولاً بشكل كثيف على «تويتر» و«فايسبوك»، و«يوتيوب». للمرّة الأولى، تبتعد نشرة أخبار محليّة عن لغة الوعظ، وعن نبرة التذاكي السياسي، لتدخل، في صلب الموضوع مباشرةً: حقوق المواطنين، والفئات المهمّشة. وهذه تجربة بدأت تظهر بشكل واضح، خلال الأشهر الماضية (لمسات الزميل خالد صاغيّة)، لتتجلّى أمس بوضوح وصراحة. فعوضاً عن أن تبدأ النشرة بكرّ أخبار أهل السياسة، خرجت «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» بخطاب مغاير، لم نعهده على الشاشات اللبنانيّة المحافظة، والمربكة بمسايرة المفاهيم السائدة. وصّفت مقدّمة النشرة لبنان بـ «جمهوريّة العار» في إحالة إلى فحوص العار التي يتمّ إجراؤها في المخافر للمثليين، وكشوف العذريّة المهينة. وربطت بين عار انتهاك حميمية المواطنين من دون وجه حقّ ـ كما حصل مع 36 شاباً قبض عليهم في «سينما بلازا» (برج حمود) بتهمة «المثليّة» ـ وبين عار معاقبة شعب بأكمله، بقطع التيار الكهربائي، وعار حرمان الموظفين من حقوقهم البسيطة. وبهذا خلقت «أل بي سي» خطاباً جديداً، خصوصاً أنّ المثلية ما زالت توصف بـ «الشذوذ» في وسائل الإعلام المحافظة، وفي مقدّمتها «أم تي في» التي كان أحد تقاريرها الاخباريّة محفزاً على إلقاء القبض على 36 شاباً في السينما المذكورة. وتلى المقدّمة تقرير للزميلة ليال حداد، بيّن الظلم الواقع على هؤلاء الشباب، والطبيعة غير العلميّة وغير القانونيّة للفحوص الشرجيّة التي تحاول إثبات «تهمة» المثليّة. نعيد هنا، تقديراً لجهود الفريق العامل في نشرة أخبار «أل بي سي»، نشر مقدّمة نشرتها ليوم 31 تموز 2012، والتي تعلن عن ولادة مفهوم جديد لمقاربة الأخبار على الشاشة اللبنانيّة، وانطلاقةً نحو إعلام يرفض أن يكون مروّجاً لمفاهيم «العار»، بل يكون حاضناً لقضايا المنسيين المحقّة.
(«السفير»)
مقدمة نشرة أخبار «أل بي سي» في ٣١ تموز ٢٠١٢:
«إنّها جمهوريّة العار. جمهورية لا تتوانى أجهزتها عن القيام بفحوص عذريّة وفحوص مثليّة للموقوفين في المخافر. فحوص تطال الأجزاء الحميمة من أجساد مواطنين ومواطنات من دون أن تكون هناك أي شبهة لحالات اعتداء أو اغتصاب. آخر فصول هذه الفضيحة ما حدث لستّة وثلاثين شاباً اقتيدوا من داخل إحدى صالات السينما في برج حمود، إلى مخفر حبيش حيث أجريت لهم فحوص شرجيّة، قبل أن يتمّ إخلاء سبيل مجموعة منهم. جمهورية العار نفسها يهدّد المسؤولون فيها بإنزال عقاب جماعي باللبنانيين عبر حرمانهم من الكهرباء، وذلك بعدما تحالف الفساد السياسي والانتهازية السياسية ضدّ العمّال المياومين، وبعدما فشل العمل على التفريق بينهم عبر التحريض الطائفي. لكنّ صمود المياومين في اعتصامهم لثلاثة أشهر أجبر المسؤولين أخيراً على السير في مفاوضات قد تؤتي ثمارها في الأيام المقبلة. جمهورية العار نفسها تُمعن في حرمان موظّفيها وأساتذتها من حقوقهم، غير آبهة بمصيرهم أو بمصير آلاف الطلاب الذين يجدون مستقبلهم معلّقاً على نتيجة امتحان لن يُفرَج عنها. جمهورية العار نفسها تغضّ الطرف عن أحد عشر مخطوفاً من أبنائها، بينما الخاطف يتنقّل من شاشة إلى شاشة، والأهالي لم يبقَ أمامهم إلا اللجوء إلى الشارع من جديد. وقد أمهلوا الدولة اليوم 48 ساعة سيباشرون بعدها خطواتهم التصعيديّة. جمهورية العار نفسها ما زالت عاجزة عن الحوار الوطني بينما الأزمة السورية تشتدّ من معارك حلب المستمرّة إلى التحضيرات الدولية لمرحلة انتقالية، إلى التلويح الإيراني بالتدخّل في الوقت المناسب. أهلاً بكم في جمهوريّة العار».