وهـــج المـوسـيـقـى في عـتـمـة بـيـروت

عناية جابر

وسط بيروت ليل أمس، في عيد الموسيقى (Fete de la musique) وبدعوة من المركز الثقافي الفرنسي ووزارة الثقافة اللبنانية، التهب ليس من الإطارات المشتعلة احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، بل من وهج الموسيقى نفسها التي تتسلط على أرواح الناس وتسيّرهم كما لو انها قانون ينضوون في حماه. أضواء وبروجكتورات أضاءت قلب البلد كانت لتكفي أن تضيء بيوتنا سنة كاملة، إكراماً للموسيقى التي هي عيد الحياة، تصهر الجماعة في نغماتها، تضبط تنفسهم ونبضهم وحالاتهم النفسية، وتعينهم على التقدم بخفة وشجاعة وابتسام إلى غد من النقاء والكمال متجرد من السياسة والمنافع الضيقة، ومُرحّب بكل الداخلين دائرته السحرية.

ما من بقعة أو درج أثري، أو كنيسة أو ربوة مشرفة أو زاوية استراتيجية في وسط البلد، لم تحتلها وتتناوب عليها الفرق الموسيقية بأطياف وأنواع نغماتها كافة. الدرج الروماني، أسواق بيروت، جنينة سمير قصير، ساحة الشهداء، زيتونة باي، كنيسة الكبوشية (سانت لويس) والمعمدانية، وكل المعالم السياحية وسط البلد، كانت تتصاعد منها نغمات الدرامز بإيقاعاته العالية، مفسحاً في المجال للفرق (يفصل بين مجموعة عازفة وأخرى عشر دقائق) أن تطلق

نغمات الروك والراب والفولك والبوب والجــاز والفانك والألكترو روك، بما فيها وعلى الدرج الروماني تحــديداً السامبا البرازيلية التي كانت مهرجاناً بحد ذاتها، واستقطبت جمهوراً شاركها موسيقاها ورقصها الصاخب، كما لو في مشاركتهم، يزفرون الإيقاع البليد للعتمة التي تسود معظم لياليهم.

طبعاً ليس بوسع الساهر في وسط البلد أمس، مشاركاً في إحياء عيد الموسيقى، سوى الانصياع لذائقته في السماع، وترك نفسه لعرض محدد أو عروض قليلة، ذلك أن مواكبة كافة الأنشطة في وقت واحد، تستلزم من الساهر الركض راجلاً والتنقل، بين هذه الحفلة وتلك، فالفرق كانت كثيرة وشبابية في أغلبها، وتزامنت عروضها في ليل أمس الطويل، الذي قصّر مع ذلك ليس عن استيعاب العدد الكبير من الفرق، بل عن مواكبتها جميعاً فكان التخصيص ضرورة وخياراً وحيداً، لمّا حضرت أيضاً في كنيسة سان جاورجيوس، موسيقى الحجرة بكل الهدوء اللازم الذي يفرضه سماعها، وكانت هذه احد خياراتنا في الليل «المضوّي» على غير عادته، ابتداء من الطلة الأولى من مجلس الوزراء حتى عمق البلد بكل اتساعاته. على المدرج الروماني احتشدت جماهير غفيرة من موقعه الاستراتيجي ومن كونه يتيح للشباب جلسة مريحة وسماعا جيدا. أيضاً الأمر نفسه في ساحة الشهداء التي شهدت مثل حديقة سمير قصير، جموع شباب وجماهير من كافة الأعما

الأكثر قراءة