سامي منقارة
منذ عدة أيام كنت أقوم بممارسة رياضة المشي على كورنيش البحر وإذ بزميل قديم في كلية الحقوق يناديني ويدعوني للجلوس على طاولة في المقهى المطل على البحر.
ترددت بادئ الأمر لأنني كنت راغباً في متابعة رياضتي اليومية لكن إصراره ومضي مدة طويلة لم التق فيها به جعلاني اقبل الدعوة في نهاية الأمر.
كان من الطبيعي أن نتحاور في مستجدات الأحداث وتطرقنا إلى ذكرى استشهاد دولة الرئيس رشيد كرامي الذي اغتالته يد غادرة تعودت على القتال والإجرام ومارسته وتأصلت فيها روح العمالة لأعداء لبنان.
قال لي صديقي «هل سمعت كلمة «أبو خالد» (الرئيس عمر كرامي) في ذكرى استشهاد الرئيس وطلبه من مجلس النواب إعادة النظر بقانون العفو عمن اغتال الشهيد الرشيد».
أجبته: نعم وهذا حقه بل وهو مطلب جميع من آمن بالعدالة وبحق الإنسان بالحياة، ولكن أسألك أنت هل تذكر انه قال أكثر من ذلك في مناسبة سابقة، لقد قال عقب صدور قانون العفو عن سمير جعجع أنه «إذا كان يعتبر نفسه بريئاً وأن الحكم الذي صدر عليه كان حكماً سياسياً تحت تأثير الوصاية السورية فنحن لسنا من دعاة الظلم لأحد كائناً من كان وما عليه إلا أن يقبل بإعادة المحاكمة الآن بعد أن زالت الهيمنة السورية التي يحتج بها لصدور الحكم بحقه».
قال لي: ألم تستغرب ما قاله السيد محفوظ تعليقاً على ما طلبه الرئيس عمر كرامي؟ فأجبته كلا ثم كلا لم أستغرب فهو من نفس طينة الذين اغتالوا الشهيد الرشيد وإذا كان يتخذ من تعيين سمير جعجع وزيراً في حكومة الرئيس عمر كرامي الأولى سبباً لبراءته فهو يتناسى أنه لدى تشكيل تلك الحكومة لم يكن هناك من حكم يدين سمير جعجع، بل حتى لم تكن هناك حتى ملاحقة جزائية له فكيف للرئيس عمر كرامي ان يدينه من دون أي دليل وهو رجل الدولة المؤمن بالعدالة وبحقوق الإنسان.
فقال لي والانفعال باد على وجهه: وما رأيك في ما قاله النائب خالد الضاهر مبرئاً القاتل وموجهاً التهم إلى السلطة السورية في عملية الاغتيال؟ فقلت له: كيف لي أن استغرب، كلا لم استغرب لأنني أعرف زميلك حق المعرفة وأنا مطلع على مسيرته وانتمائه إلى «الجماعة الإسلامية» التي أوصلته إلى النيابة عن عكار وعندما عزفت عن ترشيحه بعد أربع سنوات انقلب عليها وترشح بالاستقلال عنها، وانني أرى في ذلك انه مارس حقاً من حقوقه فلكل إنسان ما يرسم له مساره، واليوم مثلاً يرى السيد خالد الضاهر ان مصلحته ان يدافع عن سمير جعجع وهذا ما يفعله وعليك أن تتساءل عن الأسباب الحقيقية لموقفه لا ان تستغربه.
انتفض صديقي قائلاً: هل يتنكر سعادة النائب لإفادات الشهود أمام المجلس العدلي والوقائع المثبتة في التحقيق والتي على أساسها أصدر المجلس العدلي المؤلف من أعلى القضاة رتبة وأشرفهم وأنزههم سلوكاً؟.
قلت: إنه يردد ما يقوله أنصار «القوات» بأن الحكم صدر في ظل الهيمنة السورية وان الحكم سياسي وأنا أوافقك الرأي ان هذه الحجج ليست إلا للتستر على الفاعل الحقيقي وإظهاره بمظهر البريء.
وقف زميلي وكأنه يريد إنهاء الحديث، غير أنه تابع كلامه قائلاً: أنا اطلعت على التحقيق والإفادات وما ورد فيها من أدلة، وأقول لك انني لن استند سوى إلى إفادة العميد خليل مطر لأنه ضابط برتبة عالية وهو شقيق سيادة المطران مطر وجرى التحقيق معه من قبل ضابط برتبة عالية وبالتالي فإنه من المستحيل أن يكون قد تعرض للضغط النفساني او الاعتداء الجسدي لكي يقول ما لا يؤمن به وما لا يراه حقيقة.. وأضاف أريدك أن تقرأ ما قاله حضرة العميد ولك أن تتأكد بنفسك من قراءة إفادته من اغتال الرئيس كرامي وسأرسلها إليك غداً لكي تطلع عليها حرفياً وتركني وانصرف.
وبالفعل فقد تلقيت في اليوم التالي ظرفاً مختوماً ولما فتحته وجدت فيه نسخة عن إفادتين الأولى لروبير أبي صعب (أمين سر جهاز الاستخبارات في «القوات اللبنانية») والثانية تلك التي أدلى بها العميد مطر أمام المجلس العدلي ومن المؤكد أنه قالها دون أي ضغط، فماذا ورد فيها؟ سأذكر حرفياً ما ورد في الإفادتين من دون زيادة او نقصان لأن ما من عاقل يطلع عليهما إلا ويتأكد من عدالة الحكم الذي صدر عن المجلس العدلي في قضية اغتيال الرئيس الرشيد الشهيد كرامي في الأول من حزيران منذ خمس وعشرين سنة.
ورد حرفياً في إفادة روبير أبي صعب ما يأتي:
«خلال عام 1987 حصل اجتماع بين سمير جعجع وغسان توما وبيار رزق حيث صارحهما جعجع برغبته في القضاء على رشيد كرامي إلا أن بيار رزق عارض الفكرة خوفاً من تعكير العلاقات مع بغداد التي كانت تمد «القوات» بالأسلحة والمساعدات ولكن غسان توما تجاوب مع رغبة جعجع».
أما إفادة العميد مطر فقد ورد فيها حرفياً ما يلي:
«صباح الاثنين في الأول من حزيران عام 1987 اتصل بي غسان توما وأعلمني انه ينتظرني في منزله في فتقا وطلب مني إحضار جهاز اللاسلكي الخاص بي والذي استعمله للاتصال بالطيارين في الجو وعلى الفور توجهت إلى منزل توما وبحوزتي جهاز «جينيفا» الذي طلبه ووجدته بانتظاري وتوجهنا معاً إلى قاعدة جونية البحرية وأعطاني قبعة ونظارات سوداء قائلاً لي «لبوس هول لأنو بالنسبة النا ما في اشكال بس بالنسبة الك ما بدي يعرفك حدا».
وهناك صعدنا إلى زورق، أنا وغسان توما وانطوان الشدياق وغسان منسى وعفيف خوري الذي قام بقيادة الزورق وانطلقنا في البحر باتجاه الشمال الغربي وسألت توما بشكل غير مباشر عن المهمة التي نحن بصددها وعما إذا كانت عملية اغتيال الرئيس كرامي فأجابني غسان توما «ليك شو عامل فيكن بالجيش يا خيي هيدا مصيبة على الوطن، المهم كل شي ظابط وهلق بتشوف بعينك وعلى فكرة بيسلم عليك «الحكيم» وانبسط كتيرلأنك جايي معنا».
وبعد قليل طلب مني توما ان افتح الجهاز، ؟«افتحوا حتى ما تغدرنا الطيارة وتمرق وما نحس عليها»، ففتحت جهاز الـ«جينيفا» وكنا قد وصلنا قبالة بلدة البوار ومع وصولنا قبالة البربارة شاهدنا طوافة عسكرية قادمة من الشمال وسمعنا صوت ربانها ينادي على جهاز الاتصال مفيدا بالانكليزية انه متوجه إلى أدما وعندها قال لي غسان توما «ليست هي» وعلقت مؤكداً «صحيح ليست هي».
بعد فترة وكنا أصبحنا قبالة المدفون، أوقفنا الزورق وانتظرنا حوالي نصف ساعة وفجأة ظهرت طوافة على مستوى رأس الشقعة قادمة من الشمال إلى الجنوب فصرخ غسان منسى «الطيارة اجت» وأسرع فوضع الجهاز الذي كان بيده على أعلى مستوى من سطح الزورق من الجهة الخلفية، وكبس على زر محدد في الجهاز ونظر باتجاه الطوافة التي ما لبثت ان انفجرت من دون ان يسمع أي نداء من قائدها. ولقد أصاب الانفجار الجهة الشرقية اليسرى من الطوافة التي تصاعد منها الدخان وتطايرت بعض أجزائها متساقطة في البحر، عندها هلل غسان منسى وغسان توما وعفيف خوري معبرين عن سعادتهم بنجاح العملية».
وفي صباح اليوم التالي اتصل بي صديقي سائلاً عما إذا كنت قد استلمت نسخة الإفادة فأجبته بالإيجاب وقلت له انني قرأتها أكثر من مرة وسألته من هو غسان توما فقال لي إنه رئيس جهاز الأمن في «القوات اللبنانية».
([) وزير لبناني سابق