حسن عليق
إنها لعنة محكمة التمييز العسكرية تصيب البلاد وأمنها. أو ربما، هي لعنة فايز كرم، المتصلة بمن سبقوه من العملاء الذين اخلت تلك المحكمة سبيلهم من دون أن يرفّ لها جفن. يوم أمس، كان دور العميل زياد الحمصي للخروج إلى الحرية. ثلاث سنوات وشهران قضاها في السجن منذ أن اوقفته استخبارات الجيش بشبهة التعامل مع إسرائيل. صدر حكم عن المحكمة العسكرية الدائمة قضى بتجريمه بالتهمة المنسوبة إليه، وبسجنه 10 سنوات، وتشديد العقوبة إلى 15 عاماً. لكن محكمة التمييز العسكرية قررت خفض العقوبة، مكتفية بمدة توقيفه. الحمصي خرج أمس من السجن، حيث كان يتوعد من تناولوه «بسوء». هو من تلك الفئة من العملاء الوقحين، الذين يريدون لنا أن نتعاطف معهم، بعدما لعبوا بدماء أطفالنا. لكنهم محقون. ثمة من «فرْعَنَهم». إذ ليس في هذه البلاد قضاء يحكم بالعدل. وليس فيها من يستلهم تجربة المقاومة الفرنسية، فيطلق رصاصة بدم بارد وراحة ضمير بين عيني عميل يختال كالطاووس. وبين سياسيينا من لم يعتذر بعد عن تاريخ علاقته بإسرائيل. ومعظم الطبقة السياسية لا يقيم وزناً لما هو أبعد من نقلة زفت «يفلشها» على طريق من سيسقطون اسمه في صندوق الاقتراع. والمقاومون لم يرفعوا صوتهم (في بدعة الحكم على كرم). لهم حساباتهم السياسية الملعونة، والخشية الدائمة مما يؤذي صورتهم إن هم انزلوا بالعملاء القصاص الذي يستحقونه. وبينهم من لا ينظر إلى هذا الملف إلا من الزاوية الامنية. العميل المكشوف في نظرهم عميل انتهت صلاحيته. وبالتالي، لا همّ إن حُكِم عليه أم لا. المهم أن العدو لن يستفيد منه.
وبذلك، يُترك ملف عملاء إسرائيل في القضاء من دون ناطور يسهر على حمايته، ويحرص على ان تكون إسرائيل عدواً حقاً، والتعامل معها جرماً شائناً. ليس في لبنان اليوم من يسأل عن العميل منصور دياب. الضابط الذي سلك طريقاً كانت لتوصله إلى قيادة الجيش حكم بالسجن 20 عاماً فقط، وهو الذي يوجب القانون التشدد في الحكم عليه. هل تذكرون شربل قزي؟ الرجل الذي سلم الاستخبارات الاسرائيلية مفاتيح قطاع الاتصالات في لبنان، حكم بالسجن 7 سنوات لا غير. ولا احد يعلم الفتوى التي ستُصدرها محكمة التمييز لخفض عقوبته.
ماذا بعد محكمة التمييز العسكرية؟ الأمنيون الرسميون الذين سعوا خلال السنوات الماضية إلى تنظيف البلاد من العملاء كادوا يندمون على ما فعلوا: «لماذا تريدنا أن نوقف عميلاً سيخرج من السجن ليهددنا؟».
أين رئيس الجمهورية؟ كان قادراً على حماية هذا الملف، ولو من دون قصد. فبما أن همه الوحيد هو «التنقير» على النائب ميشال عون، وبما ان العميل كرم كان قريباً من عون، كان بمقدور سليمان أن يمارس «هوايته»، طالباً من مرشحته لرئاسة مجلس القضاء الأعلى، رئيسة محكمة التمييز العسكرية، عدم التساهل مع كرم، وعدم «ابتداع بدعة الضلال» بالحكم المخفف على العميل المذكور.
ماذا تفعل الحكومة؟ تهدد بإقالة نفسها. أمنها له مفاهيم أخرى. هو مرتبط حصراً بتنظيم الاشتباكات بين زعران الشوارع، وبإطلاق موقوف بتهمة الإرهاب، حرصاً على أمن طرابلس. أما العدو الذي يلعب بأمننا الوطني وبدمائنا وأرزاقنا وخصوصياتنا واتصالاتنا ومصارفنا، فهو غير موجود في حساباتها، تماماً كما تنظيم القاعدة في ذهن وزير الداخلية.
وزير العدل يريدنا ان نعبد القضاء، وألا يتناول صحافي قضية عدلية لا من قريب ولا من بعيد. ورغم خبرته العدلية، يبدو كمن ينتمي إلى كون آخر. يبدو عالمه القضائي أقرب إلى عصر «ذكريات (القاضي) رضا التامر»، حين لم يكن في لبنان عملاء ولا من يتعاملون.
أما النيابة العامة، فحدث عنها ولا حرج. ماذا يفعل القاضي سعيد ميرزا غير السير «الحيط الحيط» حتى يحين موعد إحالته على التقاعد، بعدما أدى بكل امانة دور حارس هيكل التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ وكأن البلاد لا قضاء فيها إلا لهذه القضية، ولا عدالة فيها إلا لآل الحريري. وفي الوقت المستقطع بين تقاعده وإخلاء سبيل الضباط الأربعة الذين حرص ميرزا أشد الحرص على سجنهم من دون وجه حق، لن يتدخل سيد العدلية طالباً تشديد حكم بحق عميل. لا يحرك ساكناً إذا لم ينفذ جهاز امني طلباً يحمل توقيعه، ولا يستأنف قراراً قضائياً صدر مخففاً بحق من طحنوا عظام شهدائنا. وماذا عن القاضي صقر صقر؟ الرجل استهلك كل طاقة شجاعته في ملف اغتيال الحريري، رافضاً التوقيع على إخلاء سبيل أحد من المتهمين ظلماً بالضلوع في الاغتيال. وغير ذلك؟ لن يصدر صقر قراراً من دون غطاء سياسي، ولو كان الحق ظاهراً كعين الشمس.
في السلطة التشريعية ليست الامور أفضل حالاً. لم يخرج نائب واحد ليطلب استثناء المحكومين بالتعامل مع العدو من قانون خفض السنة السجنية. لا عتب على ممثلينا، فهم لا يكترثون لغير صورتهم في النقل المباشر.
بيتنا صار من زجاج، فلا يرمين أحد انطوان لحد بحجر.
الجمعة ۱ حزيران ۲۰۱۲