متحمسون، قلقون بل وحيارى أحياناً... بهذه المشاعر توجّه كثير من المصريين، أمس، إلى مكاتب الاقتراع في القاهرة للمشاركة في أول انتخابات رئاسية غير محسومة النتائج مسبقاً بعدما أطاحوا حسني مبارك في شباط العام 2011.
في مدرسة جمال عبد الناصر في حي الدقي في القاهرة، وصل بعض الناخبين قبل ساعة من موعد فتح مكتب الاقتراع، حيث اصطفّ الرجال والنساء في صفين متجاورين تحت أعين جنود الجيش المسلحين.
رانيا محمد كان ترتيبها الثاني في الطابور، ولكن حتى دخولها مركز التصويت، كانت لا تزال متردّدة بين اثنين من المرشحين. وقالت «سأقرر عندما أستلم بطاقة الانتخاب... يمكنكم القول إن قلمي هو الذي سيحدد»، مضيفة «إنني سعيدة جداً، لأننا نختار أخيراً رئيساً».
وفي صف الرجال، قال نبيل جرجس (62 عاماً) إنه فكر طويلاً قبل أن يستقر على المرشح الذي سيُعطيه صوته. وأضاف «صليت هذا الصباح وطلبت من الرب أن يرشدني إلى الاختيار الصحيح»، لكنه رفض أن يفصح أمام الناخبين الآخرين عن المرشح الذي اختاره أخيراً.
امام مكتب انتخابي وقفت أمينة ابراهيم (24 سنة) من فريق المراقبة التابع لمرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي تحصي عدد الناخبين الذين اقترعوا في هذا المكتب المسجل به أكثر من أربعة آلاف ناخب. تتحدّث عن تجربتها الأولى في التصويت في انتخابات رئاسية وتقول «لا أكاد أصدق أنهم ينتخبون رئيسنا. لا أجد كلمات تصف ما اشعر به من سعادة حقيقية».
في مركز آخر، تنهر القاضية المشرفة على اللجنة المراقبين عن التحدث إلى الناخبين الذين بدا بعضهم حائراً. ويقول ناخب مسنّ من وراء ستار غرفة التصويت «هل استطيع اختيار أكثر من اسم واحد؟»، فترد القاضية «ماذا تقول؟ بالطبع لا. هل تريد رئيساً ام رئيسين؟».
وقررت اللجنة العليا للانتخابات مساءً تمديد فترة التصويت لمدة ساعة، بحسب ما اعلن التلفزيون المصري.
وفي غياب استطلاعات للرأي يمكن الاعتماد عليها لا يعلم أحد من سيفوز بالرئاسة التي يتنافس عليها مرشحون إسلاميون وليبراليون وشخصيات من النظام السابق.
إلا أن المصريين مستمتعون بحالة عدم اليقين بعد أن شاب التلاعب انتخابات الرئاسة خلال 30 عاماً قضاها مبارك في السلطة.
وقال إسلام محمد وهو مدرب سباحة يبلغ من العمر 27 عاماً، بينما كان ينتظر في الطابور أمام لجنته الانتخابية في القاهرة، «يجب أن نثبت أن زمن بقائنا في المنزل في حين يختار آخرون لنا قد ولى».
مصر التي يقطنها 82 مليون نسمة تعمها أجواء احتفالية، فكثير من الناخبين يقفون في الصف يمزحون ويتحدثون في استرخاء عن يوم سيظلون يتذكرونه.
وتدفق الناخبون إلى اللجان الانتخابية وبعضهم يحمل مقاعد وصحفاً متوقعين الانتظار في الصفوف لفترات طويلة.
وبرغم بدء الصمت الانتخابي يوم الأحد الماضي إلا أن العديد من المرشحين ضغطوا من أجل كسب ود الناخبين. ففي القاهرة عرضت نحو ست شاحنات صغيرة وضعت ملصقات مكتوب عليها «نعم لعمرو موسى» على ناخبين الركوب مجاناً في الإسكندرية قال سائق حافلة صغيرة إنه لن يأخذ أجرة من الركاب الذين سينقلهم إلى اللجان الانتخابية.
وبعد حملة انتخابية دامت ثلاثة أسابيع استمتع المصريون برؤية المرشحين يقفون جنباً إلى جنب معهم في الصف. ولم تشهد الانتخابات المصرية السابقة مثل هذه المشاهد في الماضي عندما كان التلفزيون المصري يصور مبارك وهو يدلي بصوته وسط حفاوة وقد أحاطت به مجموعة من المسؤولين دون ظهور ناخب عادي في اللجنة الانتخابية للرئيس.
وفي أحد أحياء القاهرة وقف المرشح الرئاسي عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق في عهد مبارك والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في صف مع بقية الناخبين، مبدياً أمله في أن ينتخب المصريون رئيساً قادراً بحق على قيادة مصر في مثل هذا الوقت الصعب.
لكن موسى واجه إحراجاً، سرعان ما احتواه، عندما تقدم منه أحد الناخبين قائلاً «أنت فلول»، فردّ عليه بأن «هذا التوصيف غير دقيق».
أما المرشح الرئاسي احمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، فحذر من «مشكلة كبيرة جداً» في حال فوز مرشح اسلامي في الانتخابات الرئاسية.
وتعرض شفيق خلال تفقده إحدى اللجان الانتخابية لموقف أكثر حرجاً عندما هتف العشرات من الناخبين في وجهه «يسقط مرشح البلوفر»، في إشارة إلى الكنزة التي اشتهر بها، و«يسقط مرشح البونبوني»، في إشارة إلى استخفافه أيام الثورة بمتظاهري ميدان التحرير، حين قال يومها ما معناه «دعوهم يتظاهرون ولنأتِ لهم ببونبوني». وانتهز العشرات من الناخبين خروج شفيق ورشقوه بالأحذية، حتى دخوله سيارته الخاصة، ومغادرة المكان.
وفي أماكن أخرى في القاهرة صفق ناخبون للمرشح المستقل الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح (60 عاماً) وهو يقف في الصف.
وقال أبو الفتوح إنه لأول مرة يخرج المصريون ليختاروا رئيسهم بعد انتهاء زمن الفراعنة، مضيفاً «نريد اليوم أن الشعب المصري يختار رئيساً يعبر عن استقلاله... رئيساً لا يأخذ قراره إلا من الشعب المصري. رئيساً يحافظ على استقلال مصر ولا يخضع لإملاءات داخلية أو خارجية. يحافظ على كرامة المصريين، يحافظ على ثروات المصريين. يحافظ على كرامة إخواننا وأبنائنا خارج مصر».
من جهته، قال مرشح «الإخوان» محمد مرسي إن «مصر تعيش عيداً من أعظم أعيادها»، معتبراً أن «ما نشهده في اللجان يمثل تعبيراً رائعاً عن حقيقة الشعب المصري الأصيل». وأوضح مرسي أن توجه الناخبين بهذه الكثافة إلى لجان الاقتراع مع ما أسماه «غياب التجاوزات القانونية» وانتظامهم يؤكد أنهم أحرار ويحرصون على تسليم السلطة إلى سلطة منتخبة، سواء كانوا شباباً أو رجالاً أو نساء، مسلمين أو مسيحيين.
بدوره، قال المرشح الناصري حمدين صباحي إن «أي انتخابات حرة نزيهة سنقبل نتيجتها باحترام. ولكن لو كانت مزورة لأي أحد فلن نقبل نتيجتها... إذا فاز بها أحد المرشحين من النظام السابق بعد شهور سيكمل الشعب ثورته».
أما المجلس العسكري، الذي يستعد لتسليم السلطة بعد شهر، والذي يسعى في الوقت ذاته إلى القيام بدور ما خلف كواليس الحكم خلال الفترة المقبلة، فقد راقب أعضاؤه الانتخابات سواء ميدانياً أم عن طريق غرفة عمليات خاصة أقيمت لهذه الغاية.
وقام رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي بجولة تفقدية للجان الانتخابية للاطمئنان على حسن سير العملية الانتخابية، حيث زار العديد من اللجان بمنطقة باب الشعرية وعابدين.
وكان المشير طنطاوي قد وجه أعضاء المجلس الأعلى بضرورة القيام بمتابعة سير العملية الانتخابية والعمل على التيسير على الناخبين.
وقامت طائرات الرصد الجوي والمراقبة الأمنية التابعة للقوات المسلحة بمتابعة وتصوير المناطق المختلفة الموجود فيها لجان انتخابية على مستوى كافة محافظات الجمهورية.
ولم تشهد العملية الانتخابية أحداث عنف تذكر. لكن وزارة الصحة تحدثت عن إصابة 21 شخصاً بجروح في إشكالات محدودة وقعت في بعض المحافظات، وحالات اختناق جراء الانتظار في الطوابير المكتظة.
وأشاد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي يزور مصر حالياً لمتابعة الانتخابات الرئاسية بسير العملية الانتخابية حتى الآن. وقال كارتر إن ما تابعه خلال تفقده للجان الانتخابية منذ بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية كان جيداً للغاية.
(«السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ش أ)