أجور موظفي القطاع العام لا تزال بلا «زودة». الكل يسأل:
الى متى؟ مجلس الخدمة المدنية، وكذلك وزارة المال، يؤكدان أن التأخير مرتبط بإصدار مشروع يجسّد نقلة نوعية في رواتب العاملين في القطاع العام
رشا أبو زكي
شهران مرّا على تصحيح الأجور في القطاع الخاص. ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية كافة مع ازدياد نسبة التضخم. الايجارات دخلت في المزاد. الأقساط المدرسية كذلك. سعر صفيحة البنزين يلامس الـ40 ألف ليرة. كل هذه المصائب حلّت على جميع الأجراء والموظفين في لبنان، وبعد شهرين، لا يزال موظفو القطاع العام في انتظار «زودتهم». رابطة أساتذة الثانوي أعلنت الاضراب في 26 من الشهر الجاري، والآخرون ينتظرون «الفرج»... في 22 آذار الماضي، قال وزير المال محمد الصفدي لـ«الأخبار» إن مشروع قانون تصحيح الأجور في القطاع العام سيرسل الى مجلس الوزراء «قريباً». أمس، أكد الصفدي أن الاقتراح سيقدّم الى مجلس الوزراء «قريباً». وعاد ليضيف أن «قريباً» تعني قبل نهاية الشهر الجاري. الشكوك تحيط بهذا الملف، اذ إن هناك همساً بأن اقرار مشروع القانون قد يكون مرتبطاً بمشروع موازنة عام 2012.
زهاء 100 ألف موظف ومعلم وعسكري يسمعون منذ شهرين أن زيادة أجورهم وتصحيح سلسلة رواتبهم «قيد الدرس». يسمعون أيضاً أن الانتظار هذا ليس عن عبث: «هناك تغيير جذري في تحديد سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام»، بحسب ما يعلن الصفدي نفسه. و«سنحقق نقلة نوعية في تحقيق التوازن والانصاف في سلسلة الرتب والرواتب» بحسب رئيس مجلس الخدمة المدنية خالد قباني. لكن أحداً لم يذكر مشكلة تمويل الزيادة التي ستطرأ على الرواتب، اذ إن زيادة 1500 مليار ليرة على الانفاق العام (وهي كلفة الزيادة التي اعلنها الصفدي وتشمل التعديلات الطارئة على سلاسل رواتب القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية) تستدعي زيادة في الايرادات، وهذه مشكلة، فموازنة 2012 لم تقرّ، ولن تقرّ قريباً، ما دام الحل الواضح لمسألة قطع حسابات الدولة في الأعوام الماضية لم يوجد بعد. وفق هذه المعادلة، وزارة المال ملزمة باعتماد سقف الانفاق المحدد في آخر موازنة أقرت في لبنان، أي موازنة العام 2005. المخارج صعبة، وكلها تؤدي الى أبواب مغلقة. وخلف الأبواب يقبع مشروع القانون الموعود، فما تفاصيله؟
«السرية» عبارة تتردد لدى السؤال عن مضمون مشروع القانون. «انه موضوع شائك ودقيق، يحتاج الى دراسة وافية قبل اعلان النتائج النهائية» يقول المتابعون. وتؤكّد مصادر الصفدي أن الصيغة النهائية للمشروع التي يتم اعدادها بالتنسيق مع مجلس الخدمة المدنية، أصبحت قيد الانجاز: «الأعياد أخّرت إنجازه، وسيرفع الى مجلس الوزراء قبل نهاية الشهر الجاري، الجداول انتهت، كذلك الدراسة، ولا ينقص سوى الرتوش القانوني».
يشرح رئيس مجلس الخدمة المدنية لـ«الأخبار» أن الصيغة النهائية لسلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام أصبحت جاهزة، وهي لا تحتاج إلا الى الصياغة. «سنرسلها الى وزير المال ليرفعها الى مجلس الوزراء، بحيث يصار الى وضع مشروع القانون على جدول الاعمال، وبعد اقراره في الحكومة، سيعاد تحويله الى مجلس النواب لإقراره وتحويله الى التطبيق». ويشدد قباني على أن المشروع متكامل ويشمل كل العاملين في القطاع العام، وقد تم الأخذ ببعض الملاحظات من الجهات المستفيدة من القانون.
ويعتبر قباني أن المدة التي استغرقتها الدراسة والجداول ليست طويلة، اذ إن «مجلس الخدمة المدنية، وبطلب من الحكومة، ينسق مع وزارة المال للخروج بمشروع لسلسلة الرتب والرواتب ينصف موظفي الادارات العامة لأن هذا القطاع لم يأخذ حقه في الزيادة». وهذا الموضوع يحتاج، وفق قباني، الى جهد كبير وعمل مضن. لكن هل سينصف المشروع جميع المعنيين ومنهم المعلمون؟ يؤكد قباني أن هناك حرصاً شديداً على عدم ترك شوائب في القانون وعلى توفير العدالة كاملة. وفق هذه الوجهة تم اعتماد قاعدتين أساسيتين، الأولى: احداث نقلة نوعية في رواتب الموظفين الاداريين بما يؤمن العدالة والحد الادنى من العيش الكريم. القاعدة الثانية: أخذ قدرة الدولة على تحمل اعباء هذه الزيادة بالاعتبار، فلا تؤدي الزيادة الى ارهاق الخزينة او احداث تضخم. ويضيف قباني: «اعتقد اننا عملنا بطريقة فيها من الإنصاف والتوازن ما يرضي كل الاطراف، ولا نتوقع ابداً أن يعترض أحد من المستفيدين على صيغة القانون ومضمونه، وأخذنا في الاعتبار الفارق في الدرجات بين فئة وأخرى بطريقة مدروسة».
ومن المعلوم أن القطاع العام يوظّف 16 في المئة تقريباً من القوى العاملة في لبنان، استناداً إلى آخر إحصاءاتٍ لإدارة الإحصاء المركزي في دراسة «سوق العمل في لبنان - تشرين الأول 2011». ويشير عضو رابطة موظفي القطاع العام محمد قدوح الى أن عدد العاملين في الملاك الاداري في الوزارات يراوح بين 7 آلاف و8 آلاف موظف في الملاك، اضافة الى 17 ألفاً يتوزعون بين متعاقدين وأجراء. التعديلات التي يتوقع قدوح أن تدخل الى مشروع قانون تصحيح الأجور في القطاع العام ستطال ردم الهوة بين الفئتين الاولى والثانية واعادة النظر في قيمة الدرجات للفئتين الثانية والثالثة لدى الاداريين، «ولكن لا نعرف حجم التصحيحات»، اضافة الى تعديلات اساسية ستشمل الجيش والمعلمين «يجري تداول زيادة درجتين أو ثلاث للمعلمين في الثانوي».
وتشرح مصادر وزير التربية (الذي اجتمع الى وزير المال في لقاءات تنسيقية حول سلسلة الرتب) أن مشروع القانون سيتضمن اعادة احتساب الـ60 في المئة للمعلمين كبدل اتعاب عن ساعات العمل الاضافية، في حين سيصار الى تحقيق توازن مقبول في جميع البنود الأخرى.
لا ينجرف رئيس رابطة الأساتذة حنا غريب مع تيار التفاؤل. اذ «لا يوجد أي شيء ملموس، كل ما لدينا وعود». ويستغرب غريب عدم اطلاع المعلمين على مضمون الصيغة الجديدة لسلسلة الرتب والرواتب قبل ارسالها الى مجلس الوزراء: «نحن اصحاب العلاقة، وبالتالي لماذا تهرّب السلسلة الى مجلس الوزراء قبل معرفة ملاحظاتنا؟». ويستنتج غريب أن هناك ما يثير غضب المعلمين في القانون المقترح، «ناقزنا قلبنا، لو كان مضمون اقتراح القانون يرضينا لكنا أول العارفين». وبناءً على «النقزة»، أعلنت الرابطة الاضراب العام والاعتصام في 26 نيسان رفضاً لمماطلة المسؤولين ولمطالبتهم بترجمة وعودهم الى قرارات.
ويشرح غريب أن عدد المعلمين في ملاك المدارس الرسمية هو نحو 30 ألفاً، اضافة الى زهاء 12 الف متعاقد، وهؤلاء لم يستفيدوا من زيادة على الأجور أو تصحيح في درجاتهم، ويضاف اليهم العاملون في القطاع العام من اداريين ونحو 35 ألف عامل في المصالح المستقلة من مياه وكهرباء وغيرها. كل هؤلاء يريدون «الزودة» وتصحيح أوضاعهم الوظيفية. ويضيف غريب: «ليزيدوا الضرائب على اصحاب الريوع ويدعموا الرواتب والاجور، إنه الحل الوحيد لعدم خلق مشكلة في الخزينة العامة، ولتحقيق جزء بسيط من العدالة الاجتماعية».
وبين التشاؤم والتفاؤل، يترقب موظفو القطاع العام وعماله قانونهم. «الزودة» في يد حكومة «النيران الصديقة» التي يقذفها كل فريق على الآخر. حكومة، لم تحقق حتى اليوم أياً من وعودها.
الاربعاء ١١ نيسان ٢٠١٢