الهدف: ضرب الإعلام الفدائي في بيروت

أطلق الإسرائيليون اسم «ربيع الشباب» على جريمة اغتيال نفذتها فرقة «كوماندوس» بقيادة إيهود باراك في قلب بيروت عام 1973. اقتحموا أبنية سكنية في منطقة فردان واغتالوا ثلاثة رجال كانوا من قادة الثورة الفلسطينية ورموزها. الهدف الأساسي كان تصفية المسؤول عن العمليات داخل فلسطين، أما الهدف الثاني فكان ضرب الإعلام المقاوم في بيروت. فهل تحقق؟

عمر نشابة

«أراد الإسرائيليون من خلال جريمة فردان توجيه رسالة الى اللبنانيين عموماً وإلى المسيحيين العروبيين منهم خصوصاً»، قال الكاتب العربي منح الصلح الذي كانت تربطه بالشهيد كمال ناصر علاقة صداقة وزمالة. باقتحام قلب بيروت وبقتل الشاعر العربي المسيحي الأبرز في صفوف منظمة التحرير، وجّه الإسرائيليون رسالة تهديد الى كلّ من يناصر قضية تحرير فلسطين من لبنان، وخصوصاً المسيحيين منهم، بحسب الصلح.

لكن الشخص الأساسي الذي كان مستهدفاً في العملية الإسرائيلية التي وقعت في فردان في 10 نيسان 1973 كان كمال عدوان لأنه كان قد تولى مسؤولية العمليات الفدائية داخل فلسطين المحتلة. هذا ما يؤكده مسؤول العلاقات الخارجية في حركة فتح سابقاً محمد أبو ميزر (أبو حاتم)، ويشرح أنه منذ انعقاد مؤتمر حركة فتح عام 1971 (عقد المؤتمر مباشرة بعد «أيلول الاسود») تقرر إعادة تشكيل الأجهزة، وتسلّم عدوان مسؤولية العمل الفدائي في القطاع الغربي بعدما عمل في الإعلام المركزي، أما المسؤول السابق عن العمل الفدائي في القطاع الغربي محمد يوسف النجّار، الذي استشهد كذلك في هجوم فردان، فتولى مسؤولية الإعلام المركزي، وبالتالي «أدار أبو يوسف الإعلام بطريقة عسكرية، أما عدوان فأدار العمل الفدائي بطريقة إعلامية».نزيه، أبو النضال، الذي عمل مع كمال ناصر في تحرير مجلة «فلسطين الثورة»، شدّد على استهداف الإسرائيليين على نحو مركّز كلّ من عمل في العمل الفدائي في الداخل، ويمكن وضع استهداف كمال عدوان وأبو يوسف في هذا الإطار. أما كمال ناصر، «ضمير الثورة الفلسطينية» كما وصفه أبو النضال، فكان «يتميّز بأوسع أفق ديموقراطي بين القادة الفلسطينيين آنذاك» أي أنه كان يتقبل الرأي الثوري المعارض لتوجهات القيادة، وكان معجباً بحماسة الشباب، ما جعله من أبرز عناصر التعبئة الثورية بوجه إسرائيل. ويفسّر ذلك وضعه على أعلى لائحة المستهدفين.

كمال ناصر محمد النجار (أبو يوسف) كمال عدوان

نائب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني سابقاً، كريم مروة، الذي عايش الشهداء الثلاثة قال إن الهدف من العملية كان «للتنبيه والإنذار بأن الإسرائيلي قادر على أن يضرب في عمق معاقل المقاومة». وأضاف إن هذا الإنذار لم يكن موجّهاً الى الفلسطينيين وحدهم، بل كان بمثابة استعراض للقوة الإسرائيلية على المستوى الدولي.كان كمال ناصر مسؤول الإعلام الموحد الى جانب أبو أياد (صلاح خلف) الذي كان يتولى مسؤولية الأمن الموحّد» بحسب أبو حاتم، ما جعله هدفاً جذاباً للعملية الإسرائيلية عام 1973. وكان الإسرائيليون قد اغتالوا المسؤول الإعلامي الفلسطيني غسان كنفاني في الحازمية، عام 1972، بواسطة عبوة ناسفة. وتولى ماجد أبو شرار مسؤولية الإعلام الموحد بعد استشهاد ناصر، لكن مصيره لم يختلف عن مصير كلّ من تولى بجدارة مسؤولية الإعلام الفدائي، إذ تمكن الإسرائيليون من اغتياله عام 1981 في روما بواسطة عبوة ناسفة خلال مشاركته في مؤتمر دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.عضو المجلس الأعلى للإعلام الموحّد معن بشور (عن جبهة التحرير العربية) شرح أن القادة الثلاثة كانوا هدف عملية 1973: «كمال عدوان بسبب نشاطه في داخل فلسطين ولأنه كان الأصغر سناً بين قادة المقاومة، وبالتالي محرّكاً أساسياً للشباب، أبو يوسف بسبب كونه أحد المخططين الأساسيين لعمليات منظمة أيلول الأسود، وكمال ناصر القائد المناضل من رام الله لكونه وجهاً إعلامياً وثقافياً ذا بعد شعبي ومسيحي خصوصاً».أما مروان دجاني الذي عمل مع أبو يوسف في صفوف حركة فتح على تأمين السلاح للعمليات الخارجية فقال إن «لكمال عدوان علاقات متشعبة في الداخل، ما أتاح تهريب السلاح الى الفدائيين، لذلك قرّر الإسرائيليون تصفيته». وأضاف «لو عاش عدوان لما كانت أوسلو ...». «لو نجا كمال ناصر لكان بعيداً عن أوسلو، لكن لا مكان لـ«لو» في قراءة التاريخ»، قال أبو النضال. القادة الثلاثة كانوا من أشدّ المتمسكين بالكفاح المسلّح.أدى ناصر وعدوان والنجار «دوراً أساسياً في تقليص الانقسامات الداخلية ومنعها من جهة، وتطوير الجوانب التنظيمية داخل منظمة التحرير الفلسطينية» بحسب بشّور. وكانوا يمثّلون «التوجه النهضوي العربي في معركة تحرير فلسطين، وبالتالي لم أفاجأ باغتيالهم» قال منح الصلح. وتحدث الكاتب عن شخصية صديقه كمال ناصر الفذّة، واصفاً إياه بالشاعر والمثقّف اللامع الذي تمكّن من جذب الناس إليه في لبنان وسوريا والعراق بفضل إلقائه المتميّز وخفة دمه.أما دجاني فقال إن «حجم الخسارة كان كبيراً، لكنها سمحت باستنهاض الهمم». وبالفعل جمعت جنازة القادة الثلاثة القادة السياسيين اللبنانيين والفلسطينيين كافة، وشارك زعماء «اليمين الانعزالي»، وعلى رأسهم الراحل بيار الجميل، في مراسم التشييع. ووصف مروة الجنازة بأنها كانت «أكبر جنازة في تاريخ لبنان».«الثورات لا تخسر كثيراً عندما يستشهد قياديوها، بل تصبح أشدّ ضراوة» يقول أبو النضال، «خذ مثلاً حزب الله، كلّما استهدفوا قائداً منه يتقدّم قائد آخر أكثر ايذاءً لإسرائيل ... دماء الشهيد هي وقود لاستمرار النضال». لكن ردة الفعل بعد وقوع جريمة فردان جاءت متناقضة بحسب مروة، فعلى الرغم من مشاركة جميع القوى السياسية في الجنازة، أغفلت الأصوات التي اتهمت الجيش اللبناني بالتقصير مسؤولية الآخرين وإخفاقاتهم.«الجميع كان يتهم القوى العسكرية والأمنية اللبنانية بعدم التدخل لردّ الهجوم، ليس أبو أياد وحده»، قال دجاني «لكن علينا أن نعترف بأننا أخطأنا في لبنان عبر تجاوز شعار «فتح» القائل بأننا لا نعادي إلا من يعادينا».

الثلاثاء ١٠ نيسان ٢٠١٢

الأكثر قراءة