شبكة طالبية لبنانية قررت جمع النوادي الجامعية اللبنانية في الولايات المتحدة و«السهر على مصالح الطلاب وتوفير فرص عمل لهم». كيف؟ من خلال «دورات تعريف» تديرها وتمولها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بهدف تحويل هؤلاء الطلاب إلى جواسيس
صباح أيوبيدخل عناصر من «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية CIA إلى القاعة الممتلئة بالطلاب اللبنانيين والمزدانة بالأعلام اللبنانية والأميركية وعلم وكالة الاستخبارات. تبرق عيون الحاضرين وتحدّق بالمخلوقات الذكية التي جاءت خصيصاً من أجلهم؛ لأنها تقدّر ذكاءهم. يستمعون بتركيز مطلق للشرح عن فروع وكالة الاستخبارات المختلفة ويدوّنون المعلومات عن حاجة الوكالة إلى تجنيد شباب حذقين وطموحين ويتقنون اللغات كالشباب اللبنانيين.
تغرورق عينا أحد الطلاب بالدموع، «يا الله، أنا هو الشخص المناسب، سأنضم إلى فريق الأقوياء وأتعلم أصول العمل التجسسي في CIA، لم لا؟ قد أتطوّع في قسم اللغات، أو المعلوماتية، أو الهندسة، لا أحد سيتهمني بأني جاسوس، فأنا موظف عادي في إحدى المؤسسات الأميركية، لا أكثر ولا أقل». تنتهي جلسة الشرح، فيتبادل الطلاب وعناصر الوكالة «العزيمة» على مائدة الحمّص والمشاوي والتبّولة والخبز المرقوق... كيف لا؟ فالـ CIA تعلّمت، عن خبرة، أن تجنيد أي طالب لبناني يبدأ بصحن حمّص وسيخ شاورما، وها هي تتكفّل، على حسابها، بسفرة مأكولات لبنانية بعد كل ندوة!هذا المشهد، بكل تفاصيله، ليس ضرباً من الخيال، بل هو واقع يحصل منذ عام ٢٠٠٨ حتى يومنا هذا في مختلف الولايات الأميركية، بعد أن قررت إحدى الجمعيات الطالبية الأميركية ـــــ اللبنانية أن تجمع الطلاب اللبنانيين في مختلف الولايات والمدن، لتقدّم لهم سنوياً دورات تجنيد وتطوّع في «وكالة الاستخبارات المركزية»، تحت شعار «نعمل من أجل توفير وظائف للطلاب اللبنانيين في الولايات المتحدة».مرّة جديدة يحلّل اللبنانيون لأنفسهم التعامل مع «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية بتذاكٍ لبناني معهود. ومرة جديدة يبررون الأمر، واصفين الوكالة بأنها «ليست جزءاً من الحكومة الأميركية... ولا تسوّق لسياسات الولايات المتحدة... بل تفتح مجالات عمل عديدة وآفاقاً كثيرة... بالتالي، لم لا نستفيد منها؟».المتذاكون هذه المرة، هم مجموعة طلاب لبنانيين ومن حاملي الجنسية الأميركية من أصل لبناني، ممن يدرسون في جامعات الولايات المتحدة، أطلقوا وانضموا إلى مؤسسة «لا تبغي الربح» اسمها «الشبكة الجامعية اللبنانية» Lebanese Collegiate Network (اختصاراً LCN). هذه الشبكة، التي يديرها لبنانيون تسعى إلى جمع أكبر عدد من النوادي الطالبية التي تضمّ لبنانيين من مختلف جامعات الولايات المتحدة، وربطها في شبكة واحدة.«إل سي إن» نجحت لغاية الآن بضمّ ٢٠ نادياً لبنانياً جامعياً. ومن أبرز نشاطاتها تنظيم المؤتمرات وورشات العمل وحملات التبرع و... حفلات الدبكة. لكن «الشبكة الجامعية اللبنانية» التي تدّعي «السهر على مصالح الطلاب اللبنانيين في الولايات المتحدة وتأخذ على عاتقها توفير فرص العمل لهم»، سعت منذ انطلاقها عام ٢٠٠٧ وحتى الأسبوع الماضي، إلى تنظيم ندوات عن «وكالة الاستخبارات المركزية» برعاية الأخيرة. والمحاضرون عناصر من الوكالة يحملون أهدافاً توظيفية وتجنيدية معلنة للطلاب. وآخر تلك المشاركات كانت الأسبوع الماضي في معرض «المهن والتطوّع» ضمن إطار «المؤتمر السنوي الخامس» للشبكة الذي أقيم في جامعة «لويولا ماريموت» في لوس أنجلس.لكن الـ«سي آي إي» لم تكتف بالحمّص، بل تبيّن أنها من أبرز الراعين الممولين للشبكة وصنّفت Gold Sponsor، أي «راعياً من الفئة الذهبية» في عام ٢٠١٢، إلى جانب رعاة آخرين أدنى رتبة (الفضية) مثل «الروتاري» و«روترأكت».هكذا، لم تجد شبكة الطلاب اللبنانيين، من بين كل خيارات سوق العمل الأميركي، سوى الوكالة التجسسية الشهيرة لتسوّقها لطلابها وتفتح باب التطوع فيها علناً لقاء مبالغ مالية تدفعها الوكالة للشبكة.وفي هذا الإطار، قد تعدّ مساهمة الـ«سي آي إي» المالية في الشبكة الطالبية على مدى سنوات، مخالفةً صريحة لقوانين عمل الوكالة داخل الأراضي الأميركية؛ إذ إن القانون يسمح للوكالة بإنفاق الأموال في نشاطات تجنيدية مباشرة في الولايات المتحدة، لكن لا يسمح لها بدعم منظمات أميركية تضمّ أميركيين في الداخل الأميركي. فمن سمح للوكالة بتمويل شبكة طالبية أميركية في نحو ٢٠ ولاية؟ هل المسؤولون في الاستخبارات الأميركية وفي القضاء والكونغرس على علم بالأمر؟ هل سيحاسب الكونغرس الـ«سي آي إي» على مخالفة جديدة تتخطى فيها الإطار المحدد لنطاق عملها؟ والأهم، ماذا عن طلابنا الأعزاء الذين يرفعون اسم لبنان عالياً في الخارج ويعرضون خدماتهم التجسسية لمصلحة دولة أخرى تحت غطاءات مختلفة؟