1
«لن نقبل بأي شيء غير قانوني»، قالها ميشال عون الثلاثاء الماضي بعد الاجتماع الدوري لتكتل «التغيير والإصلاح»، وأضاف «لسنا مجبرين أن نتحمّل أخطاء غيرنا وتجاوزاتهم». قبل 14 يوماً فقط، دفع ميشال عون نفسه بوزير العمل السابق، شربل نحاس، الى الاستقالة لأنه رفض التوقيع على مرسوم «بدل النقل» غير القانوني وتمّ تكريس «أخطاء» الحكومات المتعاقبة منذ عام 1995 و«تجاوزاتها» للقوانين والمعاهدات الدولية وحقوق العمّال والمستخدمين ومصالحهم ... يومها، أي في 21 شباط الماضي، برّر عون طلبه الرامي إلى «القبول بشيء غير قانوني» بالقول «إنه لو لم تكن قوننة مرسوم بدل النقل ستحصل عبر قانون في الجلسة التشريعية لما كان التكتل قد وافق أبداً على توقيع المرسوم»!
لإنعاش الذاكرة، كانت الجلسة التشريعية «المقصودة» من المقرر انعقادها في اليوم التالي من هذا التصريح، أي في يوم الأربعاء 22 شباط الماضي، إلا أن الجلسة المذكورة لم «تقونن» بدل النقل، وكذلك جلسة يوم 23 شباط، ثم جلسة 5 آذار ... وهكذا تمّ القبول بتوقيع مرسوم غير قانوني من دون أن يظهر أي حرص على «قوننته». ولإنعاش الذاكرة أيضاً، صرّح الوزير جبران باسيل تعليقاً على استقالة وزير العمل بالقول: «كنا نتمنى أن يبقى الوزير شربل نحاس معنا، فخروجه من الحكومة خسارة كبيرة، ولكن من دون قوننة بدل النقل، وإقرار مشروع إنفاق الـ 8900 مليار ليرة، وحسم موضوع التعيينات الإدارية وإعطاء دفع لاستمرار الحكومة بروحية منتجة وفاعلة، قد تكون الخسارة أكبر للبلد». حسناً، تبدو الحصيلة حتى الآن كالتالي: قبل عون بشيء غير قانوني، لم «يقونن» بدل النقل، ولم يقرّ «مشروع الـ 8900 مليار ليرة»، ولم يحسم موضوع التعيينات الإدارية، ولم تبدُ عودة الحكومة الى عقد جلساتها «منتجة وفاعلة»، بل بالعكس تماماً ... وبالاستناد الى «المفاضلة» التي طرحها باسيل، بمعزل عن صحّتها أو صدقيّتها، فقد مني «العونيون» بخسارة كبيرة بسبب خروج شربل نحّاس من الحكومة، وتحققت الخسارة الأكبر للبلد طالما أن الدوافع لقبول الاستقالة لم تتحقق ... ولم يعد ميشال عون قادراً على «معايرة» وليد جنبلاط على عدم ثباته على «موقف»، وتمّ تحويل «التيار الوطني الحر» الى نسخة طبق الأصل من «الحزب التقدّمي الاشتراكي»: شتّان ما بين «الخطاب» و«الممارسة»، وشتّان ما بين «القاعدة» و«القيادة».
2
تسلسل «الأحداث» منذ طرح شربل نحّاس مشروع «التغطية الصحيّة الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين» وإصراره على فرض «الضريبة على الربح العقاري بنسبة 25% ورفع الضريبة على ربح الفوائد الى 15%»، يوحي بأن قراراً اتّخذ للتخلّص من هذا «المخرّب»، تطلّب التنفيذ بعض الوقت لكي يسير به ميشال عون، لم يكن الأمر يحتاج الى أكثر من غداء يجمع «جنرال التغيير والإصلاح» مع «حارس الحريرية الأعظم»، بمبادرة من «رجل الأعمال» الذي حقق ثروة طائلة من «أفريقيا» ... لم يعد نبيه بري حليف حليف ميشال عون. صار عون حليفاً لبري. ملاحظة: حتى الآن لم يأت حزب الله على ذكر اسم شربل نحّاس. تمّ محوه كلياً ... حزب الله هو حليف عون وبري.
3
في حديث الى صحيفة «الأخبار»، قال وزير الصحّة علي حسن خليل (www.al-akhbar.com/node/29104) بصراحة تامّة «إن وزير العمل شربل نحّاس لم يتجاوز صلاحياته بطرحه مشروع التغطية الصحّية الشاملة (باعتبار أن الضمان الصحي يخضع لوصاية وزارة العمل، لا لوصاية وزارة الصحّة)، بل تعدّى على حصتنا في الدولة بالمعنى المذهبي والسياسي». هذه هي الحقيقة إذاً، فهل يجرؤ ميشال عون على مصارحة جمهوره بها؟ هل يجرؤ على الاعتراف بأن التضحية بشربل نحاس جاءت للحفاظ على حصّة نبيه بري كشرط لحصول عون على حصّة في الدولة؟ ملاحظة أخرى: لم يعد أحد يذكر «قوننة» بدل النقل، جرى تحويل الأنظار الى تجاوز فؤاد السنيورة لحصص الآخرين في الإنفاق الإضافي المحقق بين عامي 2006 و2009!
4
طيّ صفحة شربل نحاس في وزارة العمل، هو العنوان الذي وضعه «القاضي» سليم جريصاتي لعهد «التغيير والإصلاح» الجديد. لم يكتف وزير العمل، الذي اختاره عون بديلاً من شربل نحاس، باصطحاب صاحب محلات «آيشتي» الى حفل تسلّم الوزارة، بل سارع الى استقبال قيادة الاتحاد العمّالي كأول عمل يقوم به ... عبّر عضو المجلس الدستوري السابق عن سعادته باللقاء مع «الصديق» غسان غصن الذي «عاد الى وزارة العمل مرفوع الجبين بالمكتسبات التي حققها للعمال في لبنان» ... صديق؟ مرفوع الجبين؟ مكتسبات للعمّال؟ هل يريد جريصاتي أن يبرهن للعونيين، قبل سواهم، أن قائدهم كان «يغشّ» طوال الأشهر الخمسة الماضية، ولم يكن يدعم فعلياً وزيره السابق؟ ملاحظة أخرى أيضاً: ردّ سليم جريصاتي على أسئلة الزميل غسان سعود قبل يومين من إعلان توزيره (www.al-akhbar.com/node/35837)، على الشكل الآتي: ـــــ الأخبار: «آلو، مرحبا معالي الوزير». ـــــ سليم جريصاتي: «الله يخليك، دخيلك لأ. أولاً أنا لا أشبه هذه الوزارة. ثانياً لا علاقة لي إدارياً بهذه الحقيبة. ثالثاً، نحاس استشارني وأيدت موقفه. رابعاً يريدون وزيراً يخفف المشاكل في الحكومة لا يصعّبها أكثر». لكن إذا حصل «تدخلٌ كبير ورأيتُ أن المصلحة العليا تقتضي مشاركتي، فسأوافق عندها».
الخميس ٨ آذار ٢٠١٢