ملاك عقيل
تعوض حيطان «الفايسبوك» الالكترونية، انسداد شرايين الحوار والتواصل. يأتي حدث استقالة شربل نحاس، ليفتح الباب أمام نقاش تنتفي فيه المسافات وتتغير المواقع في معادلة الـ«مع» والـ«ضد».
يبين رصد مواقع التواصل الاجتماعي، أن «قضية نحاس» أصبحت بشكل أو بآخر، همّاً مشتركاً بين «القواتي»، «الكتائبي»، الوسطي، الحيادي، «المستقبلي»، «الأملي»، «الحزبللاوي»، اليساري، الناقم وغير الناقم على حكومة نجيب ميقاتي، المسحور بالزلزال السوري والمراقب غليانه، الحاقد على مي سكاف و«المطبطب لها»...
من حيث لا يدري يقرّ طوني ابي نجم، احد مسؤولي «القوات اللبنانية» بخطأ ازاحة ميشال عون لنحاس «الذي سيأتي من هو أنحــس منه». يكتب على حيطه «نشالله نرتاح من الاسلوب العــوني. تنظير بالعفة وممارسة أبشع انواع...» يبصم قواتي آخر على المكــتوب «انه تكتّل الفساد والتعتير». يتحدث آخر عن «عهر سياسي». بالمحصلة، أخذ «المعرابيون» طرفاً مع وزير تجرأ على «جنراله». ليس عادياً ان ينجح من يكره الاضواء في حشد اضواء الحلفاء والخصوم عليه دفعة واحدة، تأييداً وليس هجوماً. ويفتح الباب على هواجس بحجم نظام بأكمله. «كيف يمكن للإصلاح ان يولد على يديّ طبقة سياسية لا تفهم الا بلغة التسويات؟» يسأل أحدهم.
عبدالله الخير أحد الناشطين على «الفايسبوك» يقتطع تصريحاً للوزير فادي عبود عن «حجم الافادة من الثروة التي يقدمها موسم التزلج». الشاب المتحرّر في تعليقاته من هوس التبعية يعقّب «أكيد رح يظلّ الثلج من فوق بلا مرج. لما يكون امثال الوزير شربل ناس برا وغيروا جوا». «ستايتوسات» بالمئات ناقمة غاضبة لاسعة بسمّها. موالون للاكثرية لم يعد يهمّهم كشف عورة فريقهم السياسي الحاكم. ومعارضون حوّلوا «خطيئة عون» الى وسام على صدر «مناضل» في زمن تسويات الـ«فاسد فود». هؤلاء تحديداً قد تلمح وجوههم ايضاً في التجمّع التضامني مع «الرفيق» امام منزله في الاشرفية عند السابعة من مساء أمس. لا لشئ، سوى لان اللاهثين وراء أوكسجين «النظافة» ونبذ الاستزلام الأعمى، وجدوا فجأة ضالتهم أو «شهيدهم المنشود»... لكن بعد فوات الاوان.
مفارقة، ان تصدر احكام الاعدام «السياسي» من محبي «الجنرال» والسيّد» و«الاستاذ». «أول إنجاز في مسيرة الإصلاح والتغيير»... «تغيير نحاس». تضع إحدى الناشطات «فايسبوكياً» الاصبع على الجرح «اجمل ما فيك يا معالي الوزير انك ساويت بين الزعماء المدّعين العفة والنزاهة والتغيير والاصلاح». المفارقة الاكبر ان يزداد رصيد اليساري من الاصدقاء من «المعسكر المعادي». ضيوف جدد على صفحة المستقيل من الشأن العام، بكل «وسخه» وحبكات كواليسه المعتمة، تتملكهم الحشرية المفاجئة للتعرف على الوجه الآخر لمن صارع دولة بأمها وابيها. لرجل خارج السياق. يجلس على «الكرسيّ» ليدشّن «ربيع الإصلاح» لا ليمشي في جنازته...
على حيطان الموقع الالكتروني تتسلّل الكثير من الصور المؤذية في واقعيتها. «اسقاط حكومات او استقالة وزير اسهل بكثير من اصلاح البلد». «لا مكان لك بينهم.. خيراً فعلت». لـ«العنيد» أيضا نقاط لدى خصومه السياسيين ايضا. يرفع النائب السابق جواد بولس على صفحته «القبعة» لشربل نحاس ويكتب له بالفرنسية «انا مختلف معك بالسياسة. لكن على الاقل انت صاحب مبادئ. انت مختلف عنهم». وفي صفوف الرابع عشر من آذار من يعزّي بـ «الضحية» «ميشال عون باع شربل نحاس. الثمن تسهيلات، تعيينات، وتمويل».
اكثر ما يستفز «الفايسبوكيين» تلك المصالحة التي طال انتظارها بين زعيم اصلاحي وآخر عرف بحساسيته الزائدة طوال عهود الطائف على كل ما يشتمّ منه «إصلاح وتغيير». اللعبة كانت تقتضي، وفق مفهومهم، ان يأتي الثاني عند الاول وليس العكس! الفجيعة وجدت مكاناً لها على حيطان «المولولين». «ماذا يعني ان يتصالح ميشال عون ونبيه بري، ويكون الثمن رأس شربل نحاس؟». «كان من المفترض ان تطير الحكومة اذا طار وزير العمل. لكن «بنزين» استقالة «النزيه» أشعل محركاتها مجدداً». «ماذا يعني ان تجتمع الجمهورية كلها، برؤوسها الفاسدة والنظيفة، للتخلص من وزير يرفض مخالفة القانون»...
«في وقت بات فيه الرجال قلّة، شربل نحاس بطل». تكتب السي مفرّج الإعلامية الملتزمة في «التيار الوطني الحر». على صفحتها يتّسع المجال لجرعات زائدة من حرية التعبير «لا مكان للشريف في المافيا السياسية اللبنانية». الزميل جان عزيز نفسه يطلق العنان لانفعالاته «حق الفقراء والمقهورين والجائعين عليك أن تظل تمثلهم على تلك الطاولة بالذات (اجتماعات التكتل). يكفيهم اميل بيطار واحد في تاريخهم. بعد 40 عاماً يريدون منك حقه وحقهم وحق الوطن عليك. نحن نحتاج اليك. نحن نحبك...».
هنا، على «الفايسبوك»، حيث لا رقابة ولا خوف من مرجعية تكشّر عن أنيابها، يعتقد كثيرون أن «شربل يشبه كثيراً ميشال». الاثنان جمعهما قدر «رفض التوقيع ودفع الثمن». لكن عندما يشاء القدر أن «يسخر»، يعيد التاريخ نفسه... لكن مشوهاً.