غزة: العدوان يرفع أعداد الشهداء ... والمقاومة تخرق القبة الحديدية

حلمي موسى

واصل الاحتلال الإسرائيلي يوم أمس غاراته على قطاع غزة، حيث استشهد خمسة فلسطينيين ليرتفع بذلك عدد الشهداء منذ يوم الجمعة الماضي إلى 25 شهيداً، في وقت بدا أن التصعيد في المعركة بين إسرائيل والمقاومة الفلسـطينية في قطاع غزة قد أدخل الطرفين إلى نوع من الشرك غير المرغوب فيه. وبعيداً عن التصريحات الناريـة التي تـطلق من الطرفين الإسرائيلي والفلسـطيني، فإنه من الواضح أن أيا منهما لا يريد التصعيد أو انفـلات الأمــور، لكن الطـرفـين يريدان تحقيق أهداف وغايات مما جرى، وخصوصا تحديد شروط لوقف القتال. ولم يُعرف ما إذا كانت هذه المعايير تنطبق على التهدئة التي أعلن عنها فجراً، أو ما إذا كانت هذه التهدئة ستفضي إلى وقف العدوان في ظل استمرار التهديدات.

واستشهد يوم أمس المواطن محمد مـصطـفـي الحسـومـي (65 عاما) وابنته فايـزة الحسـومي (35 عاما) في غارة استهدفت منطقة تل الزعتر في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة. كما استشهد الفتى نايف قرموط (15 عاما) وأصيب ستة فتية آخرين جميعهم من طلاب المدارس بعدما استهدفتهم طائرة استطلاع إسرائيلية خلال توجههم إلى المدرسة في بلدة بيت لاهيا في شمالي القطاع. كذلك استشهد المواطنان رأفت أبو عيد (24 عاماً) وحمادة أبو مطلق (24 عاماً)، فيما أصيب شخصان في غارة شنها الطيران الإسرائيلي على منطقة خانيونس في جنوبي القطاع.

ومساء، استشهد مقاومان من حركة الجهاد الإسلامي في غارة إسرائيلية على حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.

وواصلت فصائل المقاومة الفلسطينية الرد على العدوان بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن نحو 180 صاروخاً سقطت من قطاع غزة على إسرائيل منذ يوم الجمعة الماضي. وأشارت مصادر عسكرية إسرائيلية إلى أن صاروخاً من طراز «غراد» سقط في ضواحي مدينة أسدود تسبب في إصابة امرأة بجروح وتدمير سيارة وإلحاق أضرار بالمتاجر القريبة. كما سقط صاروخ آخر في منطقة جديرا وألحق أضرارا بسيارتين، فيما سقط صاروخ ثالث في منطقة مفتوحة في السهول الساحلية الاسرائيلية. وسقطت كذلك ثلاثة صواريخ في شمالي غربي النقب وأخرى في مناطق مفتوحة في المجلس الإقليمي أشكول، في تحد للاعلان الاسرائيلي عن نجاح منظومة القبة الحديدية التي تغطي الجبهة مع قطاع غزة.

وفجر اليوم، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول امني مصري أن اسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة توصلا بوساطة مصرية إلى هدنة. وقال المسؤول إن الجانبين «وافقا على انهاء العمليات الحالية»، بما في ذلك تعهد غير معتاد من اسرائيل بـ«وقف الاغتيالات». ولم يصدر تعقيب فوري من اسرائيل او الفصائل الفلسطينية بشأن الاتفاق.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إن «إسرائيل ستواصل الرد على الاعتداءات الصاروخية من قطاع غزة إذا استمرت الحركات الفلسطينية المسيطرة على قطاع غزة في إطلاق الصواريخ على إسرائيل»، فيما أشار المتحدث باسم الجيش الاسرائيلى يؤاف مردخاي إلى أن «الجيش مستعد للقيام بعملية عسكرية برية في قطاع غزة في حال استمرار التصعيد من قبل الجماعات الفلسطينية».

وبحسب ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية والفلسطينية، فإن سجالاً يجري في إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية حول ما جرى ويجري. ولا خلاف حول أن إسرائيل هي التي بادرت إلى فتح هذه الجولة من خلال استهدافها قائد لجان المقاومة الشعبية الشهيد زهير القيسي، الأمر الذي استجلب الرد الفلسطيني الذي سالت في ظله دماء فلسطينية كثيرة.

ومنذ اللحظة الأولى انطلقت إسرائيل من رؤية تعتبر أن حركة حماس، التي لا مصلحة لها في التصعيد، كفيلة بضبط رد الفعل من غزة، بحيث لا يخرج عن نطاق معين ومحدود. ولكن حركة حماس فهمت أن إسرائيل تحاول - ليس فقط عبر هذه العملية وإنما قبل ذلك بكثير - ترسيخ قواعد جديدة للعبة، أساسها حق إسرائيل في المبادرة وواجب الفصائل الفلسطينية بالسكوت.

ومن الطبيعي أن حماس لا تقبل قاعدة كهذه، ليس فقط لأن الأمر يحرجها كحركة مقاومة انخرطت في السلطة وإنما أيضا لأنها تعرف أنها ضمنا مستهدفة بهذا السلوك. وهذا ما أضعف قدرة حماس على مناشدة أو حمل الفصائل، وفي مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي، على وقف إطلاق الصواريخ.

والواقع أن حركة حماس توجهت منذ البداية بأشكال مختلفة للمصريين طالبة منهم المساعدة في منع تصعيد الموقف. غير أن اندفاعة إسرائيل لترسيخ قاعدة التعامل آنفة الذكر قادت إلى تصلب في موقف الفصائل الفلسطينية التي ترفض جميعها هذه القاعدة وتصر على أن التهدئة ليست من طرف واحد ولن تكون.

وبدا واضحا هذه المرة أن الفعل الحقيقي تمثل في انعدام الفعل من جانب حركة حماس التي لم تشارك، كما يبدو حتى الآن، في جولة القتال ولكنها لم تحرم الآخرين من الرد. وفي المقابل فإن العبء الأساسي للقتال تركز على حركة الجهاد الإسلامي التي تملك قدرات صاروخية مهمة، وهي القدرات التي وضعت ما يزيد عن مليون إسرائيلي في الملاجئ.

ومن المؤكد أنه برغم حديث الإسرائيليين المتزايد عن الحسم أو حتى التهديد بالإطاحة بحكم حماس، فإن أحدا من القادة في إسرائيل لا يريد ذلك فعليا، فالحسم يعني عمليا العودة إلى ما قبل الحرب على غزة، التي، وبرغم شدتها، خلت من تحديد أي هدف سياسي، فالانقسام الفلسطيني مصلحة إسرائيلية، والقطع بين غزة والضفة أمر سوف يترك لاحقا، من وجهة نظر إسرائيلية، أثره الشديد على الهوية والقضية الفلسطينية عموماً.

وكان المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان قد قال إن إسرائيل تتابع التطورات الداخلية بين الفلسطينيين في قطاع غزة، وخلصت إلى أنه إذا أوقفوا النار فهذا جيد، وإذا لم يوقفوه فإن بنك الأهداف مليء ومعبأ لأيام مقبلة. وأشار إلى أن «التقدير هو ان حركة الجهاد الاسلامي ليست مستعدة بعد للتغاضي عن كبريائها، بحيث ان الجولة الحالية ستستمر حتى منتصف الاسبوع على الأقل».

وأضاف أن «حماس تريد وقف النار، والمشكلة هي ايجاد التسوية التي تحمل الجهاد الاسلامي على وقف النار. اتفاق لن يكون هنا. إسرائيل لن توافق على وقف الاحباطات المركزة، والجهاد لن توافق على وقف اطلاق الصواريخ ردا على ذلك ووقف اعمال الارهاب. وعلى التسوية ببساطة ان توقف النار حتى الجولة التالية. مصر أيضا التي هي الوسيط الطبيعي، تريد الهدوء، فالحكم العسكري يتجه نحو انتخابات للرئاسة وتقييم الوضع في مصر يقول ان هذه لن تكون فترة هادئة في الشارع المصري، ذلك أن اشتعال الوضع في القطاع من شأنه أن يوفر ذريعة للمنظمات الاسلامية المتطرفة في مصر للعربدة».

وأوضح فيشمان أن «الجميع يحاول اقناع الجهاد الاسلامي بابتلاع الاهانة والتوقف، وأن إسرائيل يمكنها أن تساهم في هذا الجهد، وهذا على ما يبدو ما تفعله في الساعات الأخيرة، من خلال نقل رسائل لحماس عبر مصر ومن خلال الهجوم على اهداف معينة تؤشر للحكم في غزة بان صبرنا ينفد، ومن الاجدى له أن يمارس نفوذه».

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية أن «الجهود متواصلة لحماية الشعب الفلسطيني»، مضيفاً «بالرغم من ان الطريق شاق لاستعادة التهدئة بسبب استمرار العدوان إلا انه يتوقع نجاح هذه الجهود».

وترفض قيادة الجهاد الإسلامي أي وقف للصواريخ من دون أن تكف إسرائيل يدها عن استهداف المناضلين في القطاع كلما أرادت. وبالتالي فإن الجهاد تركز على رفض القاعدة الإسرائيلية التي تطالب الجميع بالسكوت إذا أرادت إسرائيل فعل شيء، فالردع الذي تريد إسرائيل تحسينه عبر عملياتها يريد الفلسطينيون تحييده عبر صواريخهم.

وقال متحدث باسم «سرايا القدس»، الجناح العسكري في حركة الجهاد، «نعلن عدم التزامنا بأي تهدئة مع العدو تخضع لشروطه المجحفة ولن نقبل بتهدئة تستبيح دماء شعبنا كلما أراد العدو ذلك». وأضاف «ندعو الذين يلهثون وراء أي تهدئة أيا كانت شروطها من مختلف الأطراف بتوجيه رسائلهم للعدو وليس للمقاومة، فلا تهدئة بعد اليوم إلا بشروط المقاومة صاحبة الكلمة العليا في الميدان».

من جهته قال المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم إن «المشكلة هي أصلا في الاحتلال الصهيوني، وليس المقاومة، هو الذي بدأ العدوان، وهو الذي يجب ان يوقف القتل، وهو الذي يتحمل مسؤولية استمرار التصعيد ضد قطاع غزة».

وفي ردود الفعل الدولية (أ ف ب، رويترز، أب، أ ش أ)، أعربت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن «إدانتها» لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة. وقالت كلينتون، في كلمة أمام مجلس الأمن، «اسمحوا لي بان أدين بأشد العبارات قيام إرهابيين بإطلاق صواريخ من قطاع غزة على جنوب إسرائيل».

وطالبت وزارة الخارجية البريطانية بضبط النفس بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه من تصاعد العنف، معتبراً أن إطلاق الصواريخ «غير مقبول»، كما حث إسرائيل على «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس».

وأعرب أعضاء اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) عن «قلقهم الشديد بخصوص التصعيد الأخير» في قطاع غزة «ودعوا إلى التهدئة». وجاء في بيان بعد اجتماع في مقر الأمم المتحدة أن اللجنة الرباعية «تكرر دعوتها كافة الأطراف إلى أن تبقى منخرطة (في عملية السلام) وتمتنع عن القيام بأي استفزازات». وأشادت الرباعية في بيانها بـ«الجهود المهمة التي يبذلها الأردن» الذي استضاف في كانون الثاني الماضي اتصالات غير رسمية غير مثمرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقررت الاجتماع من جديد في واشنطن في نيسان من دون تحديد الموعد بدقة. وهذا الاجتماع هو الأول للرباعية منذ ستة أشهر.

في المقابل، دعت وزارة الخارجية الصينية إسرائيل إلى وقف الغارات على غزة، مشيرة إلى أن «الصين قلقة لتدهور الوضع في غزة. ندعو إسرائيل إلى وقف غاراتها الجوية على غزة ونأمل في ان توقف الأطراف المعنية إطلاق النار لتفادي وقوع ضحايا من المدنيين الأبرياء».

الأكثر قراءة