محمد وهبة
أحال وزير العمل، شربل نحاس، إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في 7 شباط الجاري، نسخة من مشروع مرسوم «انضمام لبنان إلى اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم»، المعروفة بـ«الاتفاقية 87» التي تكرّس حرية التنظيم النقابية، أي تسمح بإنشاء نقابات عمّالية في القطاع، وتفتح المجال أمام تأسيس النقابات بواسطة «علم وخبر» تقدّمه إلى السلطات المختصة، لا بواسطة «طلب الترخيص».
يأتي هذا المشروع ليكسر آخر القيود المفروضة على حرية العمل النقابي في لبنان. سابقاً لم يجرؤ أحد على كسر هذه القيود. فالوزراء المتعاقبون كانوا يردّدون الحكاية نفسها عن مناصرتهم لحرية العمل النقابي والتنظيم والإضراب، إلا أن معظمهم كان ينهار أمام سطوة السيطرة على النقابات وتسخيرها في مشاريع سياسية ولأهداف مصممة على قياس حلفائه. كان بعضهم يعمل على تفريخ النقابات والاتحادات ليزيد سيطرة الأحزاب على العمّال ولتحويلهم إلى أدوات تتحكّم بها القوى المهيمنة على السلطة. لاحقاً، تحوّل الترخيص للاتحادات والنقابات إلى امتياز يلوّح به حامله لممارسة أدوار غير نقابية في معظم الأحيان، حتى إنه لم يكن حافزاً لتعزيز قاعدة الانتساب إلى النقابات وتفعيلها في إطار مطالب العمّال ومصالحهم. ففي الواقع، إن عدد المنتسبين إلى النقابات العمالية في لبنان كان ضئيلاً جداً، وقد بلغ في عام 2001 نحو 8% فقط، ويُعتقد أن هذه النسبة تقلّصت أيضاً بفعل تدهور العمل النقابي منذ ذلك الحين الى اليوم، مع ارتفاع عدد الاتحادات العمالية إلى 52 اتحاداً منضوياً في الاتحاد العمالي العام، فيما ارتفع عدد النقابات الحائزة ترخيصاً من وزارة العمل إلى 600 نقابة.
رغم كل هذا التوسّع والتفريخ، فإن حق التنظيم النقابي في القطاع العام بقي ممنوعاً. ومن أجل استمرار هذا المنع، لم ينضمّ لبنان إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية الرقم 87 التي تشير في مادتها الثانية الى أنه يحق «للعمال وأصحاب العمل، من دون أي تمييز، الحق، ومن دون ترخيص سابق، في تكوين منظمات يختارونها، وكذلك الحق في الانضمام إليها»، ثم تقول المادة الثالثة إنه «لمنظمات العمال ولمنظمات أصحاب العمل الحق في وضع دساتيرها ولوائحها الإدارية، وفي انتخاب ممثليها بحرية كاملة، وفي تنظيم إدارتها ونشاطها وفي إعداد برامج عملها»، وتضيف هذه المادة: «تمتنع السلطات العامة عن أي تدخل من شأنه أن يقيد هذا الحق أو أن يعوق ممارسته المشروعة».
لهذه الأسباب التي تمنح كل العمال حقوقهم النقابية، وتمنع السلطة عن التدخل في العمل النقابي وتقييده، أعدّ نحاس مشروع مرسوم وأحاله إلى مجلس الوزراء، من أجل إحالة مشروع قانون معجّل يجيز للحكومة توقيع اتفاقية منظمة العمل الدولية الرقم 87 وإبرامها. ثم أرسل نسخة من مشروع المرسوم إلى رئيس الجمهورية. وفي مراسلته للرئيس، يقول نحاس إن هذه الاتفاقية التي وافق عليها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في عام 1948، «تكرّس حرية التنظيم النقابية، علماً بأن الاجتهادات والدراسات أجمعت على وصف الاتفاقية بأنها ركن أساسي من أركان حقوق العمل التي يحرص المجتمع الدولي على صونها»، إلا أن لبنان «لا يزال على غير عادة ومن دون مبرر، متخلفاً منذ عام 1948 عن إبرام هذه الاتفاقية على خلاف 150 دولة سبق أن أقدمت على هذه الخطوة».
ويستند نحاس في توضيح مسوّغات إبرام هذه الاتفاقية، إلى «الشركة الدولية لحقوق الإنسان، وإلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكون حق التنظيم والإضراب من ركائز العمل النقابي، فقد أضحت هذه الحقوق جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي لا يجوز أن ترتّب ممارستها نتائج مجحفة بحق العمال كالصرف والتغريم وغيرها من الإجراءات الآيلة إلى الحدّ من الحريات النقابية».
الخميس ٢٣ شباط ٢٠١٢