واصل المجلس العسكري الحاكم في مصر توجيه رسائله الاستفزازية لشباب ثورة 25 يناير، ما ينذر بعودة التوتر إلى الشارع، بعد هدوء حذر شهدته القاهرة وبقية المدن المصرية، عشية التظاهرة المليونية الجديدة التي دعا إليها الثوار اليوم تحت عنوان «جمعة الفرصة الأخيرة».
وبالرغم من الاعتذار الذي وجهه المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن مقتل المتظاهرين، ومحاولته تهدئة المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي قرب مقر وزارة الداخلية، فإن ما تضمنه المؤتمر الصحافي الذي عقده في المجلس العسكري، سواء في تبريره جرائم القتل التي ارتكبتها قوات الأمن المركزي بحق الثوار، أو في إنكاره شرعية ميدان التحرير، قد أثار حالاً من الاحتقان في صفوف شباب الثورة، بلغت ذروته ليلاً بعدما ترددت أنباء عن تكليف رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري تشكيل الحكومة الجديدة، خلافاً لرغبة المتظاهرين الذين يفضلون تسليم السلطة الى مجلس رئاسي انتقالي او الى حكومة يرأسها محمد البرادعي.
ونجحت هدنة بين قوات الأمن المركزي المصرية وشباب الثورة في تهدئة العنف الذي أسفر عن سقوط 39 قتيلا خلال خمسة أيام. وقال متظاهرون في «التحرير»
إن الهدنة سرت منذ منتصف ليل أمس الأول، فيما لوحظ أن القوات المسلحة أقامت حاجزاً حديدياً في شارع محمد محمود، خط الدفاع الأخير عن ميدان التحرير، للفصل بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي قرب مقر وزارة الداخلية.
ولم يتراجع الآلاف الذين تدفقوا على ميدان التحرير عن إصرارهم على إنهاء الحكم العسكري. وكتب على لافتة «هو يمشي.. مش هنمشي» في إشارة إلى طنطاوي، وهو الشعار الذي استخدم من قبل ضد مبارك.
وكان لافتاً أن شباب «الإخوان المسلمين» تمرّدوا على قرار حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي للجماعة، إذ سجلت مشاركة كبيرة منهم في تظاهرات الأمس، فيما تحدثت تقارير إعلامية عن استقالات تقدم بها العشرات من شباب «الإخوان» احتجاجاً على موقف قيادتهم. كذلك، سجلت مشاركة لافتة من قبل شباب التيار السلفي في التظاهرات.
المجلس العسكري
وكان المجلس العسكري قدّم، خلال مؤتمر صحافي للحديث عن الانتخابات التشريعية، اعتذاره وتعازيه لاستشهاد المتظاهرين خلال الأيام الماضية، متعهداً بتعويض أسر القتلى، كما وعد بالتحقيق العاجل لمعرفة المسؤولين عن هذه الاضطرابات. وقال عضو المجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين إن «الانتخابات البرلمانية لن تتأجل».
لكن عضواً آخر في المجلس العسكري وجه انتقادات حادة لشباب الثورة. وقال اللواء مختار الملا إن «الموجودين في التحرير لا يمثلون الشعب المصري لكننا نحترم رأيهم»، مشيراً إلى أن الجيش يأمل في تشكيل حكومة جديدة قبل يوم الاثنين المقبل لتحل محل حكومة رئيس الوزراء عصام شرف التي استقالت خلال العنف الذي شهدته البلاد هذا الأسبوع.
ورفض الملا مطالب المتظاهرين بتسليم الحكم لسلطة مدنية في الوقت الحاضر، قائلاًَ «ليس هدفنا ترك السلطة أو الاستمرار في السلطة وإنما تنفيذ ما التزمنا به مع هذا الشعب... إذا تركت السلطة الآن فأكون خائنا للأمانة وتكون القوات المسلحة تخلت عن الأمانة».
وكرر الملا عرض المشير حسين طنطاوي اللجوء لاستفتاء شعبي ردا على الأصوات المطالبة برحيل المجلس عن السلطة، قائلاً «لقد تحملنا السلطة أمانة من الشعب المصري ولا يمكن التنازل عنها إلا بسؤال الشعب».
كما تبنى الملا مزاعم وزارة الداخلية بعدم استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين «برغم وجود ما يسمح للشرطة باستخدامها لحماية منشآتها».
وفي استفزاز آخر لشباب الثورة قال الملا إنه «لم يحاكَم ناشط على رأيه، ولا يحاكم القضاء العسكري أي شخص إلا على فعل».
من جهته، قال رئيس اللجنة الانتخابية عبد المعز إبراهيم في المؤتمر الصحافي «نحن مستعدون لإجراء الانتخابات تحت أي ظرف».
لكن الاستفزاز الأكبر أتى من قبل طنطاوي مساء أمس، بإعلانه تكليف رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري تشكيل الحكومة الجديدة، وفق ما ذكرت العديد من وسائل الإعلام المصرية. وكان التلفزيون الرسمي ذكر في وقت سابق ان طنطاوي استقبل في مكتبه رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري. لكن صحيفة «الاهرام» قالت ان الجنزوري لم يكلف رسميا بعد.
وكان موقع جريدة «الشروق» ذكر صباحاً أن المرشح الرئاسي عمرو موسى اعتذر عن قبول تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مؤكدًا أنه يرغب في تولي المسؤولية عبر صناديق الاقتراع. ونقل الموقع عن مصادر قولها إن «موسى أصبح على رأس المرشحين لتولي رئاسة الوزراء في حكومة الإنقاذ»، وأشارت الى أنه «يطلب صلاحيات واسعة قبل قبوله الترشيح».
من جهتها، ذكرت صحيفة «التحرير»، نقلاً عن مصادر، أن «المجلس العسكري رفض تشكيل البرادعي للحكومة الجديدة خوفاً على مشاعر حسني مبارك، حيث ان البرادعي يعتبر من أشد الأضلاع التي أقامت الثورة ضده وأطاحت به»، لكن مصادر أخرى أشارت إلى أن سبب هذا الرفض يعود إلى هواجس المجلس العسكري من النزعة الاستقلالية التي قد ينتهجها البرادعي في الحكم.
رد الميدان
وجاء رد ثوار ميدان التحرير على تكليف الجنزوري سريعاً، إذ ما كادت المحطات التلفزيونية تذيع الخبر، حتى علا من الميدان هتاف «لا موسى ولا جنزوري... يا مصر ثوري ثوري». وشدد المتظاهرون على أنهم لن يتراجعوا عن الميدان إلا عبر تكليف حكومة إنقاذ وطني لها كافة الصلاحيات، واستبعاد المجلس العسكري عن العمل السياسي نهائياً.
ودعا شباب الثورة إلى تنظيم تظاهرات مليونية حاشدة اليوم تحت عنوان «جمعة الفرصة الأخيرة».
وليلاً، تجددت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الامن أمام مديرية الأمن في الاسكندرية، كما تردد عن خروج الآلاف في تظاهرات في مدن مرسى مطروح والاسماعيلية والمحلة السويس والمنصورة.
في المقابل، دعا ما يسمى «ائتلاف شباب روكسي»، الذي يؤكد شباب الثورة أنه يضم مؤيدين للرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى تنظيم تظاهرة يوم غد لدعم المجلس العسكري بعد صلاة الجمعة اليوم.
وفي رسالة نشرها في صفحته على موقع «فيسبوك» طالب المجلس العسكري مؤيدين له بعدم تنظيم تظاهرات لمصلحته، مشيراً إلى أن ذلك نابع من حرصه على «وحدة الصف للشعب في هذه اللحظات الحرجة في تاريخ البلاد».
لكن جريدة «التحرير» نقلت عن «مصدر مسؤول» قوله إن «تعليمات صدرت لمحافظ كفر الشيخ أحمد زكي عابدين، وللمسؤولين في المحافظة، لتجهيز حافلات لنقل موظفي الوحدات المحلية في قرى ومدن المحافظة لتتجه للقاهرة من أجل تأييد المجلس العسكري»، مشيرة إلى أن هذه التعليمات «»صدرت لجميع المحافظين علي مستوى الجمهورية». («السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ش أ، د ب أ)