نيكولاس بلانفورد
فيما تتصاعد التوترات حول برنامج إيران النووي، يبدو «حزب الله» على أهبة الاستعداد للأخذ بالثأر من إسرائيل.
عصر ذات يوم سبت في الآونة الأخيرة، التقط رادار تابع للقوات الفرنسية التابعة لـ«اليونيفيل»، في الجنوب اللبناني طائرة استطلاع إسرائيلية بلا طيار تعبر الحدود مخترقة الأجواء في جنوب لبنان. لم تحظَ باهتمام يذكر مثلها مثل عشرات طائرات المراقبة التي يطلقها الإسرائيليون في الأجواء اللبنانية شهرياً.
ولكن، عندما حلقت الطائرة فوق وادي الحجير، اختفت فجأة من شاشة الرادار. على الفور، اتصل جنود «اليونيفيل» مذهولين، بالجيش اللبناني، وبدأت عملية بحث عن الطائرة، في الوادي الغضّ... بلا جدوى.
لا أحد يتذكّر متى كانت المرة الأخيرة التي تعطّلت فيها طائرة استطلاع إسرائيلية فوق لبنان وتحطّمت، ولم يصدر أي بلاغ عن احتراق الطائرة. لم ينبس الإسرائيليون ببنت شفة. وكذلك فعل «حزب الله». أما قوات حفظ السلام فوقعت في حيرة، تتكهّن بأن يكون «حزب الله» قد وجد طريقة لتعطيل الطائرات إلكترونياً.
وادعى التقرير الأحدث للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران، التي وصفها بلانفورد بأنها «سيدة «حزب الله» الإيديولوجية»، متورطة في «أنشطة وثيقة الصلة بتطوير جهاز نووي متفجّر». هو «أقسى» تقارير الوكالة حتى الآن حول إيران، وقد سبقته موجة تقارير إسرائيلية تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية تدرس جدياً توجيه ضربة عسكرية جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وقد ردّت إيران بإطلاق التحذيرات، مهدّدة بوجود «خطط للرد» على «أصغر عمل تشنه إسرائيل (ضد ايران)، عندها سترى (إسرائيل) دمارها».
العديد من المحللين يعتقدون أن هذه الخطط «قد تشمل هجمات يشنها «حزب الله» ضد إسرائيل، عبر ضربها بآلاف الصواريخ طويلة المدى، ما يضع قلب الدولة العبرية على الجبهة الأمامية (للنزاع) للمرة الأولى منذ 1948».
منذ العام 2006، ساد هدوء على الحدود بين لبنان وإسرائيل، لكنه هدوء «لم يمنع الطرفين من القيام باستعدادات محمومة لمواجهة أخرى، لا تريدها إسرائيل ولا «حزب الله»، ولكن الطرفين يعتقدان أنها ربما تكون ضرورية».
ارتفع معدل التعبئة في صفوف «حزب الله» بشكل كبير، وكذلك عمليات التدريب في المعسكرات السرية في البقاع، حيث يتوغل العناصر سيراً على الأقدام في الجبال الوعرة، وحيث يتعلّمون كيفية حمل السلاح، فيما يتلقّى البعض تدريبات متطورة في إيران.
هناك يتلقون التدريب العسكري مقروناً بدروس دينية وثقافية. هناك يتم تعليمهم أهمية الجهاد والشهادة والطاعة لـ«القائد» (الخامنئي).
لا يبوح «حزب الله» قط بتفاصيل عن قدراته العسكرية التي لا تنفكّ تتطوّر، لكن التقارير تدّعي أن الحزب كدّس نحو 50 ألف صاروخ، بما فيها الصواريخ الموجّهة التي بإمكانها أن تصيب تل أبيب. ومراراً، ألمح مقاتلو «حزب الله» إلى أنهم تدربوا على اجتياز الحدود نحو إسرائيل، في الحرب المقبلة.
ووصف الكاتب «حزب الله» بأنه «أكثر قوة عسكرية غير حكومية مثيرة للذهول في العالم»، لكنه يواجه اليوم «مجموعة من التحديات هي الأخطر منذ صعوده في أوائل الثمانينيات»، أبرزها اتهام أربعة من عناصره بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. على القدر ذاته من الخطورة تكمن الثورة الدموية في سوريا.
سقوط نظام الأسد يشكل، بالنسبة لـ«حزب الله» وإيران، «تهديداً للتوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يتسبب في انقطاع التحالف بين دمشق وطهران»، فـ«سوريا تعتبر ممراً مهماً لأسلحة «حزب الله»، والأهم أنها الحليف الحيوي الوحيد لإيران في العالم العربي، ما يمنح طهران موطئ قدم على الحدود الشمالية لإسرائيل»(...).
وقال بلانفورد إن «شعبية الحزب في لبنان تراجعت، مقارنةً مع التسعينيات، عندما كان كل لبناني، أياً كانت طائفته، يؤيد «حزب الله» ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي».
أما «المأزق» الذي يواجه «حزب الله»، فيكمن في أن «شن حرب ضد إسرائيل في رد على هجوم (محتمل) على إيران، سيتسبب بتدمير ساحق للبنان وخاصة للمناطق الشيعية التي تشكل عصب الحزب»، كل ذلك «كرمى حماية الطموحات النووية لدولة تقبع على بعد 650 ميلاً الى الشرق».
لا يفصح المسؤولون في «حزب الله» بالكثير عن الرد المحتمل للحزب في حال هوجمت إيران. فذلك يعتمد على حجم الضربة وعلى الوضع السياسي في الشرق الأوسط، لكن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قال بأنه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل يتمتعان بوضع يسمح لهما بشن حرب في الشرق الأوسط، واصفاً التكهنات الإعلامية بشأن ضربة محتملة ضد إيران بأنها مجرد «تهويل».
في هذه الأثناء، تركّز كوادر «حزب الله» على التدريبات العسكرية وتضع نصب أعينها النزاع المقبل مع إسرائيل، «فليهاجموا إيران. ذلك سيكون عظيماً. ذلك سيعني دمار إسرائيل»، أقله هذا ما يؤمن به خضر، وهو مقاتل شاب في «حزب الله».
(ترجمة جنان جمعاوي ـ عن «وول ستريت جورنال»)
[ صاحب كتاب «جنود الله: داخل صراع «حزب الله» الثلاثيني ضد إسرائيل».