مئات فـي مسيـرة «إسقـاط النظـام الطائفـي»: هـل انطفـأت حماسـة «الشعـب» ولـم يعـد «يريـد»؟

جعفر العطار

كان المشاركون في مسيرة «حملة إسقاط النظام الطائفي ورموزه» يجهّزون لافتات المسيرة، صباح أمس، عندما رفع رجل خمسيني لافتة تقول «الشعب يريد إسقاط الأسعار» بيده اليمنى، ورغيف خبز بيده اليسرى. تحاكي اللافتة، التي تبدو للوهلة الأولى أشبه بمعلّقة من المعلّقات الغابرة، سخط الرجل على تردي الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار، ويشن كاتبها هجوماً على «لصوص البلد»، في نسق متسلسل: الديون المتراكمة على كاهل المواطن، غلاء أسعار المحروقات واللحوم، انتشار البطالة، اليأس من الشكوى. وفيما كان الرجل يهمّ بالانطلاق من أمام مركز «الضمان الاجتماعي» في وطى المصيطبة، بعد ساعة من الموعد الذي تم تأجيله بانتظار توافد أعداد أكبر من المشاركين، رفع المتظاهرون لافتات بعناوين عريضة، خبرية، تنادي بإسقاط النظام الطائفي ورموزه، وتعرّف عن حامليها بأنهم «نحن نبني مجتمعاً أفضل»، وتطالب بمحاكمة الطبقة الحاكمة. حمل المشاركون، أمس، أحلامهم وأفكارهم في لافتات كرتونية، سارت معهم من مركز «الضمان الاجتماعي» الرئيسي، إلى وزارة التربية، فشارع مار الياس، ووصولاً إلى شارع المصارف قبالة مجلس النواب. ساروا في خط عمودي، أشبه بشجرة اعتادت أن تحمل أغصانها. في المسيرات الأربع التي سبقتها، كان للشجرة أوراق أكثر من أوراق أمس، تفيض بحماسة تشي بأن الأغصان متشابكة، متماسكة. شجرة أمس لم تحمل إلا المئات من الأوراق التي بدت قاب قوسين أو أدنى، من أن تشيخ وتذبل. الحناجر التي كانت تصدح بقوة، من أفواه غاضبة وحانقة، بعد سقوط النظامين التونسي والمصري، ارتبكت أمس، كأنما الحماسة السابقة، ما كانت إلا وليدة تغيّرات شجعتهم على المحاولة مرة، وإعادة الكرّة مرة ثانية، ثم حلّ اليأس. خرجت من رحم الحملة الرئيسية، حملات كثيرة، لم يشارك منظموها في مسيرة أمس، التي شهدت بدروها، توزيع قصاصات من الورق، تفيد بإعلان قيام المزيد من الحملات الإضافية، من بينها «ثورة صيف 2011»، التي ترمي إلى «محاكمة الطبقة الحاكمة». كانت تتغير، بين الحين والآخر، أنواع الهتافات المطالبة بإسقاط النظام الطائفي ورموزه، تارةً من مكبرات الصوت، وطوراً من بعض الحناجر التي ما كانت تلقى الرد كما كانت تلقاه في المسيرات السابقة، كأنما لازمة «الشعب يريد» خفّ وهجها وسط انخفاض الأعداد المشاركة. همساً، كانوا يستفسرون عن «السرّ: «أين البشر؟». فيجيبون، كعزاء للخيبة التي أصابتهم يوم أمس، أن التحضير للمسيرة لم يُعدّ على نحو دقيق، كما أن «اليوم عطلة، وكثيرون يفضّلون إما الاستراحة في المنزل، أو التوجه إلى القرى أو قضاء النهار على الشاطئ».كثيرون اعتبروا أن مسيرة أمس كانت بمثابة ورقة النعي للحملة، فيما استمدّ آخرون من الخيبة حماسة تنضب بدم جديد، معوّلين على تشكيل ائتلاف يضم الحملات المنادية بإسقاط النظام الطائفي، في عباءة واحدة، تكون وظيفتها التنسيق والتخطيط، والتنفيذ بيد واحدة، كأغصان شجرة متماسكة. غير أن البعض، ومنهم منظمون في الحملة، شاهدوا الأطفال والأمهات والكهول والشبان، من عين ودّعتهم للمرة الأخيرة، كأنها لن تراهم في مسيرات لاحقة، كما ودّعت سابقاً عربات الأطفال التي كانت تصطف في مقدمة المسيرات بين الآلاف. لم يطلّ القاطنون في «مار الياس» من شرفاتهم كما كانوا يطلّون سابقاً، ما إن يتناهى إلى مسامعهم أصوات الحناجر. لم تنثر الأمهات الأرز على الرؤوس، كما كن ينثرن ويزغردن. مرّت المسيرة في الشارع الطويل بهدوء، قبل وصولها إلى محيط المجلس النيابي، بهدوء استُثني منه صخب الأغاني والهتافات. وبينما كان المشاركون يهمّون بالمغادرة، بعد إعلان منظمي الحملة أنهم مستمرون في النضال حتى سقوط النظام الطائفي ورموزه، كان رجل خمسيني يجتاز الطريق الفاصل بين الساحة والمجلس، حاملاً لافتة بعنوان: «الشعب يريد إسقاط الأسعار». الرجل، كخطوة أولى على الطريق، لا يريد أن يلهث وراء أكثر من عشرة عصافير. هو يريــد أن يلتـقط عصفوراً واحداً، قبل تفرّغه لبقية العصافير..

 

آخر تعديل على Monday, 27 June 2011 07:20

الأكثر قراءة