هل تستطيع «حكومة» إنقاذ ما أفسده دهر النظام؟ خالد حدادة لطالما كررنا أن الشعب اللبناني وصل في نظرته لنظامه ودولته، الى درجة لا يفرق معها بين وجود حكومة في البلد أو غيابها، بل واحياناً تصل المغالاة في الحكم والتفكير الى حد الاستنتاج بأن غياب الحكومة، ربما في نواحٍ محددة، يكون أفضل للمواطن من حضورها الذي لا يشعر فيه إلاّ إذا أراد إجراء معاملة تحتاج لتوقيع إداري، والمسؤوليات الإدارية العليا، معطلة وشاغرة وبالتالي لا بد من حكومة لإجراء التعيينات. وحتى في هذه الحدود، لم تعد الحكومة ضرورة، ذلك أن شغور الوظائف في الفئة الأولى وغيرها قضية قديمة لم تستطع الحكومات المتعاقبة حلها، نتيجة إخضاعها الدائم لمنطق المحاصصة والزبائنية، وبالتالي الخلاف وعدم ملء الشواغر الضرورية، حيث يكاد اسم الوظيفة أن يقرن دائماً بصفة الوكالة...والقضية الثانية التي تدفع احياناً الى التفكير بضرورة وجود الحكومة، هي القضية الأمنية التي يأمل المواطن احياناً بأن التوترات الأمنية المتنقلة في البلد، التي حطت رحالها مؤخراً في طرابلس والشمال (لأسباب إقليمية وأهداف اقليمية)، والفلتان الأمني على المستوى الفردي في كل البلد. وحتى هذه القضية بدأ المواطن يفقد بعض هذا الأمل بمعالجتها، كيف لا وهو قد تابع على شاشات التلفزة تمرد الأجهزة الأمنية والإدارية على قرارات الوزراء وعلى ما هو محدد لها في الدستور... حتى اتى مؤخراً استهداف المؤسسة العسكرية التي ما زالت تتمتع بقدسية لدى الناس ورأى المواطنون استهداف صدقيتها من خلال التصريحات الأخيرة لبعض النواب على خلفية احداث الشمال... وبعض القضايا والهموم «الصغيرة» للمواطن التي لا يرى المواطن فرقاً في طرق معالجتها، ما بين غياب الحكومة او وجود حكومة، لا تأخذ بعين الاعتبار هذه «الهموم» إلاّ من باب دورها في المحاصصة وفي تكريس تبعية «الرعايا» للزعيم... «فالهموم الصغيرة» هذه من قضايا التربية والصحة والاقتصاد والبيئة والمحروقات والماء والكهرباء هي «صغيرة» عندما تتعلق بمصالح الناس وتصبح مصيرية في حال دخولها في باب تقسيم المصالح والمنافع والخدمات...وما يضاعف خطورة هذه اللامبالاة الكارثية، ملاحظة الفرق بين الحالتين في «القضايا الكبرى» ونضع مزدوجين حول القضايا الكبرى والصغرى لعدم توافقنا طبعاً مع التصنيفات الرائجة لهذه القضايا في سلم المفاهيم اللبنانية (والعربية) السائدة، او لأنها، برأينا تصنيفات لا تتخذ معياراً موحداً ودقيقا.ً.. فالحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تعودنا يوماً أنها المعنية الأولى بالدفاع عن الوطن، بل احياناً هي في موقع عرقلة الدفاع عنه والذي يتصدى وتصدى له دائماً بعد شعبي غير حكومي يتمثل بحركة المقاومة الشعبية للإحتلال وللإعتداء المستمر منذ عشرات السنين سواء اجازتها البيانات الوزارية أم لم تجزها، وكذلك التآمر على هذه المقاومة المستمر، لم يكن ينتظر بياناً وزارياً...والعلاقات والمواقف الخارجية العربية والدولية لبلدنا، لا تنضبط أبداً في إطار منظومة الدولة، بل هي محكومة بمصالح وسياسة الأطراف والجماعات التي لها اولوية على المصالح العامة... وحركة السفراء الأجانب وصلاتهم ونوعيتها ومضمونها كلها مضبوطة ايضاً على فهم هذا الخارج لموقع الدولة الضعيف ولطغيان مصالح «المجتمعات» على المصلحة العامة مما يجعل هؤلاء «السفراء» يذهبون مباشرة اليها، دونما حاجة الى ناظم لهذه العلاقة يفترض ان يكون الحكومة... وأيضاً في المواقف الأخرى المتعلقة بهذه المواضيع والتي تصبح اولويتها رهن بموقف «الجماعة» منها وليس بأولوياتها الوطنية والشعبية، من هنا ومن هذه الالتباسات، يصبح مبرراً ان يضاف الى الأمراض المزمنة، جروحاً جديدة وأمراضاً جديدة... ويصبح تأليف «الثلث المعطل» له أولوية على تأليف الحكومة، فهذا «الثلث» اصبح التعبير الأبرز عن حالة الهريان في التركيبة والصيغة والنظام، كيف لا وهو المعبر عن مصلحة الجماعة «المذهبية والطائفية» إذا ما تناقضت مع مصلحة «الكل»، و«الكل» هو النائب المقدر والمتعذر وجوده نتيجة جمع «الأقسام» التي لا تشكل «كلاً» في لبنان...إن حالة المنطقة في ظل التحركات الشعبية العربية من جهة ومعها المطالب المحقة لهذه الشعوب بالحرية والديموقراطية والعدالة والعيش الكريم، وفي ظل تبلور صيغة الهجوم المضاد الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها من دول واتجاهات سياسية، هذه التطورات والحالة الانتقالية في المنطقة تضع لبنان في خضم حالة فقدان وزن حقيقية وبالتالي وضعه الأمني والسياسي في مجال التوتر السياسي، واحتمالات الأمني فيه غير قليلة أول غيثها طرابلس وما لحق بها من أجواء، قفزت شعاراتها من الشمال لتعود الى مربع المطالبة بنزع سلاح المقاومة والى مرحلة ما بعد القرار الظني الذي أصبح صدوره متوقعاً على ضوء تطورات الوضع الإقليمي وبشكل خاص سوريا...هذه الظروف الإقليمية الإستثنائية، كانت تقتضي تشكيل وضعية لبنانية استثنائية في مواجهتها ومنع اخطارها عن لبنان... فهل جاء تشكيل الحكومة على هذا القدر من التوقعات ومن المسؤولية؟على مستوى الشكل (وبانتظار المضمون والممارسة)، لم تحقق هذه الحكومة صدمة ايجابية ملحوظة، رغم الاحترام لأشخاصها او لبعضهم فالموضوع لا علاقة له بالمواصفات الشخصية... وإذا كان الشكل لم يحقق هذه الصدمة الإيجابية، فيصبح الأمل اقل في ان يكون المضمون والممارسة على قدر الحاجة الوطنية... إن المطلوب كبير، ربما يكون اكبر من حكومة او حكومات، اولى المهمات المصيرية هي استعادة الوطن وبناء دولته... استعادة الوطن من فك الغول الطائفي، فلا نعتقد ان حكومة من هذا النوع قادرة أو عازمة على هذه الاستعادة فالبلد بحاجة الى إطار وطني واسع يتخطى التقليد السياسي الطائفي ليلامس الإطار التأسيسي لوطن جديد...والمهمات المساعدة في هذا المجال تنطلق من تحديد موقع لبنان الوطني في مواجهة اميركا واسرائيل، وبالتالي الى مضمون وطني للمقاومة... الى بناء المعيار الوطني للإنتماء كبديل للإنتماءات «دون وطنية» وهنا طيف واسع من المهام على مستوى قوانين الأحزاب والإعلام والتربية والعدالة الاجتماعية واستعادة املاك الوطن والمحاسبة بمفعول رجعي عن سرقة هذه الأملاك، وبالتالي وضع سياسة اقتصادية ومالية جديدة تتضمن المحاسبة على الفساد وتتخطاه الى سياسة تؤمن التوازن بين نمو الإقتصاد المنتج والعدالة الاجتماعية و ما الى ذلك، وبموازاته وبالأولوية قانون جديد للإنتخابات على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي والدائرة الوطنية وقانون مدني للأحوال الشخصية، يشكلان الى جانب المطالب والقضايا المشار لها سابقاً، المرفق الاساسي لكل من يفتش عن غياب باب للدخول الى وطن حقيقي...أما شهداؤنا فقد دخلوا من بوابتهم الى الوطن الذي احبوه، الى الوطن الذي استشهدوا من اجل استقلاله وتقدمه وحريته ومن اجل سعادة شعبه... انهم شهداء الحزب الشيوعي اللبناني، استشهدوا في كل هذه المواقع... في مقاومة الاحتلال قبل جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ومعها. في المعركة من اجل رغيف الخبز وحقوق العامل والمزارع. في المعركة من اجل التعليم الرسمي والجامعة الوطنية... في مواجهة الظلامية والتخلف ودفاعاً عن الثقافة الوطنية الديموقراطية في معارك الدفاع عن قضية فلسطين ومع مقاومتها وشعبها... في الدفاع عن مفهوم العروبة الوطنية الديموقراطية، ومن اجل حركة وطنية تمتد الى العالم العربي كله...بدأت ثمار تضحياتهم تنضج في العالم العربي كله... علينا استكمال المهمة كي تنضج ثمار تضحياتهم وتضحيات عشرات الآلاف من ابناء وطننا... للدخول الى وطن رسمه، في جغرافيته ومضمونه الديموقراطي، شهداء الحزب الشيوعي اللبناني فالتحية لهم ولكل شهداء الوطن.