يرى العمال في وزير العمل شربل نحاس، صوتاً لهم في مجلس الوزراء، حيث تُرسم السياسات الضريبية. أما في وزارة العمل، فهو سيواجه إرثاً صعباً من العلاقات غير السويّة بين العمال وأصحاب العمل والدولة، وعليه أن يعالج ملفات شائكة مثل تصحيح الأجور، إقرار مشروع للتقاعد والحماية الاجتماعية، إصلاح الضمان الاجتماعي، وتوسيع الحريات النقابية...محمد وهبة -
المواضيع كثيرة وكبيرة وشائكة. هذه باختصار، الملفات الملقاة على عاتق وزير العمل شربل نحاس، وهي أيضاً ملخّص لما ينتظره عمال لبنان منه. قبل أن يكون وزيراً، كان نحاس على تماس مع العمّال منذ فترة طويلة، فهم لم يعرفوه إلا مناصراً لقضاياهم ولمصالحهم، أي إنّ ما وقع على عاتقه بعد توليه وزارة العمل صار أكبر.بين ما هو مأمول من نحاس وما هو متاح في وزارة العمل، هوّة كبيرة يُرتقب من نحاس ردمها؛ إصلاح صندوق الضمان أبرز المطالب، وتصحيح الأجور يوازيه أهمية، فيما الاستحقاقات الأخرى متنوعة وكثيرة، لكن ليس لهذه الوزارة صلاحيات مباشرة لكونها تعمل كوصي على الضمان، فيما كل هذه المؤسسات هي ثلاثية التمثيل وتخضع لحوار «شبه عقيم» بين أصحاب العمل والعمال والدولة. رغم ذلك، يرى العمال أنهم بحاجة ماسة إلى صوت نحاس في تقرير السياسات الضريبية في مجلس الوزراء، فيما يعزون مصدر مخاوفهم وقلقهم، إلى وجود وزراء آخرين في الحكومة، قد يُظهرون انحيازاً على حساب العمال. معظم الملفات في وزارة العمل عالقة منذ أشهر؛ توقف مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية منذ اليوم الأول للحكومة السابقة، فبدا كأنه أثير إعلامياً فقط. أما لجنة المؤشّر، فلم تُدعَ إلى أي اجتماع لمناقشة كيفية تعويض العمال عن تآكل أجورهم، ومشاكل الضمان الاجتماعي تزداد يومياً، ولا يزال الانقسام العمالي «وضعاً عادياً» في ظل الـ«لا حوار» بين الهيئات الاقتصادية والعمالية، ما عدا محاولات غير جديّة... أما الملفات التي تمثّل تحدياً طارئاً، فهي تتمثّل في تأليف مجلس إدارة صندوق الضمان الاجتماعي المنتهية ولايته منذ فترة طويلة، ويعمل حالياً بحكم استمرارية المرفق العام، إضافةً إلى قرب انتهاء مدّة ولاية مجالس العمال التحكيمية في آخر الشهر الجاري. في هذا الإطار، يرى الخبير في الشؤون النقابية والعمالية، غسان صليبي، أن إسهام نحاس مرتقب في 3 ملفات أساسية:
ــ أن يسهم في علاقات أكثر عدالة بين العمال وأصحاب العمل، على أن يجري ذلك من خلال سياسات أجور جديدة، وتقديمات إضافية، وعبر رعاية نزاعات العمل بطريقة عادلة.ــ أن يسهم في إعداد عدد من القوانين أو تطويرها، مثل وضع قانون جديد للعمل، ولا سيما أنه مضى على إعداد هذا المشروع أكثر من 10 سنوات، لكنه لم يصدر بعد، تطوير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتقديماته... كل ذلك من خلال الحوار. ــ أن يسهم انطلاقاً من موقعه، ومع احترام مبادئ الحرية النقابية وعدم تدخل السلطات، في دعم الجهود الآيلة إلى تطوير النقابات والاتحادات لمزيد من الديموقراطية والاستقلالية للاتحادات. على أي حال، فإن نحاس، بحسب ممثل العمال في مجلس إدارة الضمان الاجتماعي، جهاد المعلّم، آتٍ من أعماق القضايا العمالية، وهو صاحب الاختصاص الاقتصادي بخلفية اجتماعية. لذلك «يؤمل منه رعاية الإصلاح بدءاً بالضمان، وصولاً إلى الحركة النقابية، فهو يحمل منطقاً مختلفاً عن الوزراء السابقين، وعن كل السياسات السابقة، وهذا يحتّم إعطاءه فرصة لتنفيذ قناعاته». هناك الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمثّل محور وزارة العمل، «هي وزارة على علاقة مع أكثر من نصف الشعب اللبناني، ويتسع عملها إلى الأجور، وسوق العمل بعمالته المحلية والأجنبية، إلا أن الخوف من عرقلة داخلية من بعض الموجودين في الحكومة» يقول المعلم. أما مسيرة الإصلاح، فلعلها تبدأ بإنجاز مشروع للتقاعد والحماية الاجتماعية ينتظره العمال منذ أكثر من 40 عاماً. في الحكومة السابقة، تألفت لجنة مثّل العمال فيها عضو مجلس إدارة الضمان فضل الله شريف، وقد عكفت على درس المشروع بعدما استردته اللجان النيابية المشتركة من الهيئة العامة لمجلس النواب، إثر اعتراض أصحاب العمل والعمال على بنوده. فاجتمعت 11 مرّة وعدّلت الدراسات الاكتوارية 5 مرات. أما النتائح، فيشير شريف إلى أن توزيع أعباء تمويل المشروع لم يكن عادلاً، إذ جاء على عاتق العمال والدولة دون أصحاب العمل، ما أدّى إلى خلل كبير توقفت بعده اللجنة عن الاجتماع، كما أن مستوى معدلات الاشتراكات (18%) ضمن سقف للاشتراك يعادل 3 أو 4 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور لم يكن كافياً لمنح المتقاعد راتباً تقاعدياً يفي بالغرض. «لا يمكن أن يقرّ مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية من دون حوار ثلاثي التمثيل» يقول رئيس اتحاد النقابات المستقلة موسى فغالي. ففي المرة الأخيرة لم يحصل سوى تسليط ضوء فقط «لا يطعم خبزاً»، وقد جرى «تجاهل العمال حين تقدموا بورقة للاعتراض على المشروع الذي جاء خدمة لأصحاب العمل». وعلى سيرة الحوار الثلاثي التمثيل، فإن المواضيع الأكثر سخونةً المرتبطة بها تتصل بلجنة المؤشر، التي يُفترض أن تدرس التضخم وتصحيح الأجور. هناك حالة انتظار عامة لتصحيح الأجور رغم أن أصحاب العمل يرفضون، تاريخياً، منح العمال أي زيادة. رغم ذلك، يرى نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه، أن نحاس سيكون صوت العمال على طاولة مجلس الوزراء، لكونه حليفاً للطبقات المهمشة، بدليل ما قام به في وزارة الاتصالات من تطوير وتوسيع لدائرة المستفيدين. لذلك هي فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وأبرزها «الأجور». فالحدّ الأدنى مذلّ للعمال ولصغار الموظفين، وقد تآكل بفعل التضخم والغلاء. لا يقتصر دور نحاس على وزارة العمل، فنصرته للفقراء ستكون أيضاً في إرساء ودعم سياسات ضريبية محابية لهم، والسعي في اتجاه إقرارها في الحكومة الميقاتية. «يجب على العمال أن يشاركوا في السياسات الضريبية في لبنان من خلال الوزير نحاس وصوته في الحكومة» يقول فقيه. ويشير إلى أنه ليس من واجب الحكومة حماية رؤوس الأموال، رغم أنها حاجة للبلد، لكن «عبء الضرائب لا يجوز أن يتركّز على الفئات الأكثر فقراً، بل يجب أن يبحثوا عن مصادر تمويل للضرائب من غير جيوب الفقراء».
60%هو معدل التضخّم التراكمي الذي يعتمد عليه الاتحاد العمالي العام للمطالبة بتصحيح الأجور والرواتب بنسبة موازية، من أجل تعويض الأجراء عن اضمحلال قدرتهم الشرائية وذوبانها بفعل ارتفاع الأسعار والضرائب على الاستهلاك
بوصلة اقتصادية ــ اجتماعيةالجميع ينتظر البيان الوزاري، لكن نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه يفضّل أن لا يكون هو البيان نفسه الذي أقرّته الحكومة الماضية وكذبت من خلاله، مشيرةً إلى أن أولوياتها هي أولويات الناس، ولاحقاً لم تنفّذ أي أولوية. ويعدّ البيان الوزاري هو البوصلة الأساسية للحكومة، إلا أنه في لبنان، يعدّ بوصلة سياسية، لكنها ليست بوصلة اقتصادية ولا اجتماعية، فما يجري الالتزام به لا ينفّذ، ما يعني أنه تحدٍّ جديّ أمام حكومة نجيب ميقاتي.