ابراهيم الأمينالخلاصة الأولى من أسبوع الآلام الحكومي، هي أنّ سعد الحريري لم يعد صالحاً لتولّي مهمات رئاسة الحكومة. لم يعُد الرجل بقادر على جمع أصوات كافية محلياً، وهو يحتاج الى دعم كل الدنيا دونما نتيجة. والانقسام السياسي الداخلي أظهره محل تنازع جدي لم يسبق أن عاشته عائلة الحريري منذ بدء الرئيس المغدور رفيق الحريري نشاطه السياسي المباشر. حتى العصبية السنّية القائمة الآن، ليست مطابقة للعصبيّة الحريريّة. وما إن يخرج من هذه الطائفة من يرى أهلُها أنّه قادر على تولّي الزعامة، حتّى يعلنوا نهاية الإمبراطورية الأسرع انهياراً في تاريخ عائلات لبنان السياسيّة. وبناءً عليه، فإنّ كلّ الحملات القائمة الآن، أو التي سوف تقوم، من تلقاء نفسها أو المدفوعة الأجر أو خلافه، لن تنفع في إصلاح حال الرجل الذي خسر الفرصة التي لن تتكرّر.الخلاصة الثانية من هذا الأسبوع، هي أنّ الراعي السعودي لفريق 14 آذار اللبناني، دخل برجليه مرّةً جديدة في حقل ألغام انفجر فيه. ها هو يكرّر تجربة فلسطين التي جعلته بعيداً، وتجربة اليمن التي جعلته متضرّراً حابساً للأنفاس، وتجربة العراق التي جعلته بلا حَوْل إقليمي، وتجربة الإسلام الجهادي التي جعلته عدواً، وها هو سيخرج من لبنان ضعيفاً ذليلاً لا يقدر أحد على مدّه بالعون. وسوف يكتشف أن الأميركيين كما بقية الأوروبيين سوف يبحثون عن مصالحهم، حيث يمكن توافرها، سواء في سوريا أو إيران أو مع بقية المجموعات اللبنانية. وما هي إلا مسألة وقت حتى يتبيّن أن ما جرى اعتماده من سياسات إنما عبّر عن حسابات واهمة، لا عن حسابات واقعية.الخلاصة الثالثة، هي أن التجربة السياسية القائمة عرّت قوى 14 آذار المحلية. وبدت هذه الأخيرة فاقدة لكل أنواع المبادرة أو القوة، وما هي إلا أداة تنتظر من الخارج أن يوفر لها الحماية والدعم، وأنها لا تمثل في حقيقة الأمر إلا الوجه القذر من النظام السياسي الراغب في الاستيلاء على الدولة ومقدراتها. وسوف تجد هذه القوة نفسها في وقت قريب أمام جدران سميكة داخل طوائفها وداخل أطرها، ولن ينفع معها الصراخ أو العويل، كما لن ينفع استجداء الخارج، ولا يمكنها بعد عملية التزوير الكبيرة التي تورطت فيها، من الانتخابات إلى القضاء الى الحقيقة الى الاقتصاد، أن تجد وسيلة أخرى تبقيها على قيد الحياة. حتى نظرية بثّ الذعر والرعب في نفوس جمهورها أو بقية اللبنانيين لن تفيد في شيء. وسوف تبرز الفضيحة الكبرى المتمثّلة في أن هذه القوة لم تعد مصدر الحيوية الاقتصادية في البلد، ولا هي شريان الحياة المالي.الخلاصة الرابعة، هي أن الأقليات اللبنانية باتت تمثّل وحدها المظلّة لأيّ حكم سياسي. لم يعد النظام الطائفي قادراً على توفير الحصانة لأحد، ولم يعد للتاريخ وحكايات الأجداد ما يفيد في نفخ القدرات وانتزاع أدوار انتهت الى غير رجعة. وبات المشهد اليوم أكثر وضوحاً لأن مقاصّة متأخّرة للحرب الأهلية اللبنانية تجري الآن:ـــ يفقد الموارنة مواقع الحسم، وهم بين خيارَي الشراكة الكاملة على طريقة العماد ميشال عون، أو خيار التبعية والتسوّل كما هي حال مسيحيّي 14 آذار.ـــ يقف وليد جنبلاط يصرخ تارة «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وطوراً «حسبي الله ونعم الوكيل»، ولا أحد يسمعه. عليه أن يدفع الأثمان مضاعفة. يفقد ثقة حلفاء ولا يكسب ثقة الآخرين، ولا يسعه قول أو فعل شيء آخر.ـــ يقترب جبل لبنان من مرحلة الانهيار الكامل لدولته الناجمة عن تقسيم طائفي قديم. وها هي الأقضية وجحافلها تستعد للإمساك الكلي بالدولة دون أن يكون لديها برنامج حقيقي لإدارة الدولة ومؤسساتها، وسط استمرار الهواجس التاريخية حول الحقوق والواجبات.ـــ يقف الخارج مقطّب الحاجبين. لا غضبه ينفع إن هو ترك لبنان وحده، لأنّ وباءه معدٍ وسريع الانتشار، ولا صراخه ينفع في تهدئة الجموع الغاضبة هنا، فيصير الهمّ الأبرز عند الخارج القريب، كما البعيد، اتّقاء شرّ الانفجار الكبير.الخلاصة الخامسة، هي أنه لا يمكن أحداً، لا في فريق المعارضة ولا في فريق 14 آذار، ادّعاء القدرة على إصلاح البلاد، وتغيير وجهها الطائفي المقيت. وجلّ ما يمكن هؤلاء قوله، هو أنه يمكن تغيير سياسات متّبعة من قبل ممثّلي الطوائف لجهة اعتماد سياسة رعاية جديدة بدل الخصخصة البشعة، أو لجهة تحرير بعض حقوق المواطنين المدنيّة بعيداً من الحسابات المذهبية الضيقة، أو اللجوء الى إجراءات تحدّ من حجم سرقة المال العام، وكبح جماح كبار المتموّلين وإلزامهم دفع المستحقّ عليهم في مواجهة أزمة البلد، بعدما واظبوا خلال عقدين على سرقة فائض الإنتاج المحلي، وتقف المصارف في مقدمة هؤلاء. ويمكن إعادة الاعتبار الى شرطة السير وبعض عمل القضاء العادي لمواجهة أمور الناس اليومية. لكن ليس بمقدور أحد الادّعاء أنه آن الأوان لقلب النظام. لا لأن الوقت لم يحن بعد، بل لأن طبيعة القوى القابضة على قرار الفريقين، هي أصل البلاء، وهي التي تحتاج الى علاج وإلى استئصال قبل أي شيء آخر.أما الخلاصة الأخيرة، التي لن تظهر نتائجها الآن، فهي تخصّ إسرائيل ومن خلفها الغرب ومن معها من عرب التآمر، لجهة أن الهدف المركزي في توجيه الضربة الى المقاومة، هو ضرب من الوهم، وهو أمر لا يتمّ على هذه الطريقة. وأكثر ما يمكن توقّعه هو أن تسارع إسرائيل الى تكثيف استعدادها لحرب لا تبدو قريبة.العدد ١٣٢٢ الاثنين ٢٤ كانون الثاني ٢٠١١