سبق أن شاهدنا هذا الفيلم. الرئيس إميل لحّود قادم إلى السلطة على صهوة حصان أبيض، تسبقه إلى قصر بعبدا حكايات تشهد على نظافة كفّه وعدم تساهله مع الفساد والفاسدين. وهو، بخلاف العماد ميشال عون، لم يكن مثقلاً بتجربة سياسيّة سابقة. لكنّه، تماماً كعون، مدعوم من ضبّاط كبار في الجيش رأوا في التغييرات السياسيّة فرصة لتجديد دور المؤسّسة العسكريّة وتنشيطه. كذلك رُوِّجت له صورة «المسيحي القوي» الذي سيعيد الأمجاد الغابرة. عون ليس متوجّهاً اليوم إلى قصر بعبدا. لكنّ صورته تقف وراء الخطاب المؤيّد لرحيل الحريريّة عن السلطة. فتماماً كما حصل في 1998، جرى التنظير لأسباب داخليّة وإقليميّة تبيح محظور القفز فوق التوازنات الطائفيّة اللبنانيّة. وهو تنظير انطلقت مسلّماته الإقليميّة من دمشق، وطرب له حزب اللّه، وتبنّاه المبعدون عن السلطة في لبنان. آنذاك، أُدخلت تحسينات على السياسة الاقتصاديّة، لكنّ رموزاً للفساد بقوا متربّعين على كراسيّهم، فيما شُنَّت حملات انتقائيّة على آخرين. انتهى الخطاب الطهرانيّ إلى انضمام أعضاء جدد إلى نادي الفاسدين. ولنا في كثير من وجوه «مطاوعة» الأخلاق اليوم ملامح لعاب يسيل شوقاً لذاك النادي. لا يدخل ذلك في باب محاكمة النيّات، بل في التأكيد أنّ الحيّز الاقتصادي ـــــ الاجتماعي قد تصيبه في أفضل الأحوال بعض الانعكاسات الجانبيّة. وما قد يكسبه الناس على صعيد تحسّن مستواهم المعيشيّ، سيخسرونه في ارتفاع مستوى عصبيّاتهم الطائفيّة وتوتّرهم العصبيّ. لكنّ الفيلم المكرّر لا يقتصر على جانب دون آخر. فالتعنّت المقابل ورفض تقديم تنازلات في مسائل قد تطيح هي الأخرى وحدة البلد، أو التمسّك بسياسات الهيمنة الطائفيّة والطبقيّة، تسهّل مهمّة الانقضاض على مبدأ حكومات التوافق في لحظات استثنائية كالتي نمرّ بها. ففي 1998، تماماً كما اليوم، لم يفعل الموالون لفريق الحريري سوى التهديد بالويل والثبور. فإن ترك الحريري السلطة، فسينهار الاقتصاد، سيختفي النموّ، ستنخفض قيمة الليرة، سيواجه لبنان غضب العرب والأجانب. ولم ينتبه حريريّو الأمس واليوم أنّ كلاماً كهذا يدين الحريريّة قبل سواها، إذ تروّج لصورتها كديكتاتوريّة مقنّعة تربط مصير البلاد بشخص، وكتيّار غير مسؤول وقد خرج من صفوفه أصلاً من يستعيد شعارات شمشونيّة: «عليّ وعلى أعدائي». إنّ أيّ استشارات نيابيّة تحدث في أجواء كهذه لا تستحقّ هذا الاسم. هي في أفضل الأحوال استشارات حول الطريقة المثلى للرحلة نحو الهاوية.
العدد ١٣٢٢ الاثنين ٢٤ كانون الثاني ٢٠١١