نادر فوز
سقط رجب طيب أردوغان في وسط بيروت. فبعد استقبالات شعبية في المناطق، نجح الشباب الأرمني أمس في تشويه هالة زيارة رئيس الحكومة التركية. ومن تجمهر أمس في قلب العاصمة لم يتحمّل نظرات أردوغان إلى تمثال الشهداء ولا عبارة «مرحبا»؛ اتّخذ الحشد الأرمني تلك الصورة العملاقة هدفاً له، وانتقلت الأنظار من تمثال الشهداء إلى تلك اللافتة. تجمّع عشرات الشبان في مقابل الصورة، وهتفوا بإسقاطها وأطلقوا ما تيسّر من الشتائم للدولة العثمانية. تدخّلت فرق مكافحة الشغب وشكلت طوقاً، مانعة الجمهور من الوصول إلى قاعدة الصورة التي رميت بالعصي والحجارة. لكن ذلك لم يعوّض حكايات المجازر التي تناقلتها الأجيال الأرمنية. فظهر ابتكار أرمني لافت: قذائف طلاء أسود تشوّه «العدوّ».
كان المشهد حماسياً وكأننا في لعبة رياضية. تأوّهات عند الإخفاق بإصابة الهدف، وتصفيق وتشجيع عند النجاح بتلطيخ تلك الصورة التي تحمل خلفيّتها العلم التركي. مع أصوات تلك القذائف، شددت القوى الأمنية وجودها فحاصرت المتجمهرين وحصل تدافع أولي. حاول النائب آغوب بقرادونيان التدخل لحل المشكلة، لكنه تعرّض للردع من رجال ببزات عسكرية، ثم شتمه أحد العسكريين: «... وعلى إخت اللي جابكن». فوقع عراك تحت صورة الضيف التركي. وشدد بقرادونيان على ضرورة تحقيق الهدف الرمزي الأرمني، فتوجه إلى قائد القوة العسكرية المنتشرة، طالباً أن يُنزل عناصر الجيش صورة أردوغان، فردّ الضابط بأن هذه المهمة ليست ضمن صلاحياته. وهنا طلب النائب إبعاد قوى الأمن الداخلي عن قاعدة اللوحة الإعلانية، فحصل ذلك.
تسلّق شبان اللوحة، وبدأوا بتمزيقها. تحمّس الجمهور أكثر في «فشة خلق» مكبوتة منذ الحرب العالمية الأولى. رفعت شارات النصر وكأن تمثال طاغية سقط من عليائه. أزيلت صورة أردوغان وبان إعلان لإحدى ماركات الساعات الفاخرة. علّقت الأعلام اللبنانية والأرمنية مكان اللوحة، فأنشد المحتشدون النشيدين اللبناني والأرمني، ثم أكملوا هتافاتهم العدائية لضيفهم الثقيل في محاولة لردّ الوجع الذي تناقلوه من جيل لآخر.
انتهى مشهد سقوط أردوغان. فحوّل الموجودون أنظارهم إلى قاعدة تمثال الشهداء، حيث أقيمت منصّة صغيرة لإلقاء الكلمات. بدا بقرادونيان قوياً قرب ذاك التمثال، يبتسم، يتحدث، يعطي بعض التوجيهات، وأهمها الطلب من الوزير جان أوغاسبيان الاقتراب إلى الصف الأول. إشارة بقرادونيان تلك تدلّ على الكثير من المعاني، أولها مدى الإحراج الذي وقع فيه ممثلو الأحزاب الأرمنية الموالية للرئيس سعد الحريري: ثقافة شعب وقضية وطنية من جهة، وحلف سياسي وأمان اجتماعي من جهة أخرى. هذا «الانقلاب» الذي قاده حزب الطاشناق أمس، جاء بعد ليلة طويلة أمضاها جمهور الحزب الأرمني وهو يحتجّ على نزع القوى الأمنية للافتات منددة بالزيارة علّقت في برج حمود والدورة والجديدة. إضافة إلى تأكيد مسؤولين في الطاشناق أنّ سائقي الحافلات التي نقلت الأهالي من مناطقهم تعرّضوا، ليل الأربعاء ـــــ الخميس، لتهديدات من عناصر في فرع المعلومات. وبعد ما حصل من تدافع وشتائم، أعلنت مجموعة من الشخصيات والقيادات تضامنها مع النائب بقرادونيان، الذي تلقى اتصالات من كل من الوزير زياد بارود والنائب ميشال المر والرئيس الأسبق أمين الجميل. واستقبل في وقت لاحق رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع.
وكان لافتاً حضور عشرات من شباب حزب العمال الكردستاني، الذين حملوا أعلام دولتهم وصور قائد الحزب، عبد الله أوجلان، المعتقل في السجون التركية. وأبرز ما دلّ أمس على الغضب الأرمني هو رفع أحد المشاركين العلم اليوناني، «فقط نكاية». وفي الاعتصام، تحدث كل من مطران الأرمن الأرثوذكس كيغام خاجريان، ورئيس حزب الرامغافار مارديك أفديكيان، وأليكس كوشكريان عن حزب الهنشاك وعضو اللجنة المركزية في الطاشناق أفيديس كيدانيان. فطالبوا تركيا بالاعتراف «بالمجازر التي ارتكبتها بحق اللبنانيين عامي 1915 و1916، وبالمجازر التي ارتكبتها بحق مليون ونصف مليون أرمني».