بانتظار العيد الوطني

ساطع نور الدين ليس هناك عيد للاستقلال في اي دولة من دول العالم. هناك ما يُسمى بالعيد الوطني الذي يحتفل به بدرجات متفاوتة من الحماسة، وبأشكال متعددة بعضها عسكري، يهدف الى احياء فكرة الشهادة والتضحية من اجل الوطن، ومعظمها مدني، او فولكلوري يهدف الى اشاعة جو من الانتماء والى تعميق الاحساس بالهوية والى تعزيز الالتصاق بالجغرافيا الوطنية المكتملة.. لكنها كلها تفتقر الى عدو واحد محدّد يستوجب تعبئة المواطنين وإعدادهم من اجل حمل السلاح يوماً، وتلمح الى اعداء افتراضيين كثيرين، لا يمكن تلمسهم ولا حتى العثور عليهم. في جميع الدول التي تقيم عروضاً عسكرية في اعيادها الوطنية، التي غالباً ما تكون عيداً لثورة ما لا عيدا لاستقلال عن محتل اجنبي، تسير وحدات من الجيوش في الشوارع لكي تطمئن السكان الى قوة النظام اكثر من قوة الدولة، او تخيف المعارضين منهم وتنذرهم بان الجيش جاهز للتدخل اذا عجزت قوى الامن الداخلي.. مع العلم ان السوفيات الذين رسخوا هذا التقليد السنوي، استخدموا العرض العسكري في ذكرى ثورة اكتوبر الشيوعية من اجل الكشف عن نماذج من أسلحة جديدة تستهدف تعديل موازين الرعب الدولية، على ما يحاول ان يفعل الصينيون والهنود والإيرانيون وغيرهم اليوم. ينتمي لبنان الى هذه الفئة من الدول التي ترفع من شأن الطابع العسكري للعيد الوطني، مع أن ثمة عيداً للجيش وآخر لقوى الامن الداخلي. وكلاهما موروث من حقبة الاستعمار الفرنسي، الذي يحتلّ مكانة فريدة في الذاكرة اللبنانية، لا صلة لها بالبطولات ولا بالتضحيات، بل ربما بالتواطؤات والمصادفات، التي اخرجت القوات الفرنسية من الاراضي اللبنانية قبل نحو سبعة عقود واعادتهم اليها مرات عديدة لاحقة، حيث لا تزال تنتشر على الحدود الجنوبية في مهمة غير استعمارية، تجمع وحدات عسكرية من نحو 32 دولة لتسجل رقماً قياسياً في عدد الجيوش الاجنبية الموجودة في لبنان. مفارقة الاستقلال اللبناني لا تكمن في العيد الذي كان في الماضي يهدف الى الإيحاء بوجود جيش يحمي نظاماً قوياً، وصار يهدف الى الإيحاء بوجود جيش قيد البناء ومشروع دولة قيد التأسيس، وسط طوائف ومواطنين مسلحين اكثر من قواتهم المسلحة، ويزيدونها خبرة قتالية.. بل في ذلك الحرص على ان تكون عروض القوة هي المعيار الوحيد لموازين القوى بين الدولة والاهالي، وأن تتحول المؤسسة العسكرية الى قوة أمنية داخلية، فيما تتم الاستعانة بجيوش أجنبية لحماية الحدود البرية والبحرية والجوية. وهو بهذا المعنى لا يمكن أن يصبح يوماً ما عيداً وطنياً، على ما هو الرجاء دائماً، تدمج فيه جميع المحطات الرئيسية المهمة من تاريخ الصراع الوطني مع الاحتلال الأجنبي، وتصير المقاومة الجنوبية المستمرة منذ الاستقلال وحتى اليوم، جزءاً من هذا التقليد السنوي، وضيفاً على العرض العسكري، ورديفاً للدفاع الوطني .. ولو ليوم واحد في السنة، يسقط فيه الحاجز النفسي بين الدولة ومواطنيها، ويتحرر فيه الوطن من ذلك التنكر لمحاربيه ومقاوميه القدامى، ويؤسس لشراكة يمكن أن تصبح ملحة في المستقبل القريب!
آخر تعديل على Wednesday, 24 November 2010 07:24

الأكثر قراءة