خسر أوباما الانتخابات النصفية وهذه ليست مشكلتنا نحن العرب بل أن المشكلة تكمن عند الذين -من العرب- يرتهنون لتطور الحدث الأميركي الداخلي والذين رددوا خلال الأشهر الأخيرة عذراً اكتشفوه للرئيس الأميركي فسروا به امتناعه عن الضغط على إسرائيل استجلاباً للصوت والدولار اليهودي الانتخابي في معركة التجديد النصفي للكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ.
ولأن حزب أوباما تراجع وتقدم الجمهوريون تصح مساءلة المرتهنين العرب للمشيئة الأميركية عما إذا كان «البيت الأبيض» المخيب من مساندة الصوت والدولار اليهودي الانتخابي سيضغط في المدى المنظور على «إسرائيل» لتقييد البناء في المستعمرات لشهر أو شهرين من أجل انطلاق المفاوضات المباشرة الفلسطينية-الإسرائيلية حتى بعد انصرام أجل الشهر الممنوح من سلطة أوسلو للرئيس أوباما كي يضغط على إسرائيل.
بيد أن هؤلاء المرتهنين العرب للمشيئة الأميركية وفيهم إعلاميون ودبلوماسيون ومسؤولون كبار قد طوروا لأنفسهم مستوى عالياً من بلادة الإحساس يحاذرون به الإجابة بنعم، بل يضعون عنواناً مسبق الصنع في عمارة خطاب الارتهان لواشنطن هو أن الرئيس أوباما سيواصل العمل على كسب أصوات اليهود ودولاراتهم الانتخابية في معركته الأهم وهي التجديد له في الرئاسة بعد سنتين تماماً فاعذروه على هذا الانشغال ولا تلوموه إذا لم يضغط على نتنياهو.
وهنا جوهر مشكلة المتأمركين العرب المشبعين.
فهم يخفقون دورياً في بلوغ اليوم الذي يضغط فيه رئيس أميركي على إسرائيل ويقدم فيه مصلحة الولايات المتحدة مع العرب على مصلحتها مع إسرائيل في بدء عهد أي رئيس يرفع المتآمرين العرب عقيرتهم صارخين لا تكونوا من يتسبب بإحباط نيات الرئيس الطيبة حيال السلام.
إنه الآن يدرس ويوازن ويتريث لإطلاق مبادرة وهذا ما قاله المتأمركون في الرئيس أوباما ولاسيما بعد كلمته على منبر جامعة القاهرة 4/6/2009 ثم فغرت الحلقة المفرغة بنفسها شدقها: التجديد النصفي للكونغرس في«معركة» التجديد للرئيس و«معركة» انتخاب الكونغرس، معاً بعد سنتين فقط فانتظروا سنتين فقط كي يغدو الرئيس حراً من الانقياد للصوت والدولار الانتخابي اليهودي.
وقد دارت هذه الحلقة المفرغة مرات مساوية لعدد الرؤساء الأميركيين منذ تأليف إسرائيل وصيرورة واشنطن طرفاً في الصراع العربي- الصهيوني.
ولكون المتأمركين العرب لدغوا من هذا الجحر المرة تلو المرة تجب مساءلتهم عن سلامتهم العقلية في تزيين السراب هدفاً وفي اجترار الوهم بأن الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على إسرائيل وعن تحويل هذا الوهم إلى سياسة.
والأوجب أن تعاد قراءة الطبيعة البنيوية الاستعمارية الواحدة للامبريالية الأميركية وللحركة الصهيونية الطبيعة الناظمة لعلاقة طرفيها، المحال فيها أن تضغط كتف على الكتف الآخر في هذا الجسم الواحد.
إذ إن قراءة مدققة مسؤولة في العلاقة الأميركية - الصهيونية تسحب من التداول سراب الضغط المستبطن في «نظرية» الـ 99٪ ووهم الرهان على أن تكتشف أميركا أن مصلحتها تقع في علاقاتها مع الغرب وليس مع إسرائيل والشخصنة في التعويل على نيات هذا الرئيس الأميركي أو ذاك.
والحقل المتاح لامتحان هذه القراءة هو كل هذا اللغط الدائر حول يهودية إسرائيل.
منذ انفلات الظاهرة الصهيونية من رحم التطور الرأسمالي إلى امبريالية استعارت برقع الدين اليهودي وارتدته سلاحاً مضافاً تتميز به عن نظيرتها حركة استعمار الجنوب الإفريقي.
الأخيرة تناهت في تداعيات أزمتها التاريخية المتفجرة بالمقاومة الوطنية الإفريقية إلى الفصل العنصري الصريح وتلاشت.
أما الصهيونية فتتمترس خلف برقع الدين اليهودي لاستقطاب المزيد من المستعمرين اليهود.
الاحتضان الأميركي للنزوع الصهيوني المتسارع إلى تفعيل السلاح الديني المستعار قرينة حاسمة تؤكد الطبيعة الإمبريالية الواحدة للنظامين الأميركي والإسرائيلي.
فلا هرتزل كان متديناً يهودياً ولا نتنياهو ولا من بينهما ولا أوباما بمتدين مسيحي وإسرائيل تسن التشريعات العنصرية الصريحة على خلفية وعد بوش 2004 لتغذية الصهيونية بنسغ جديد يقي عروقها الاستعمارية من التيبس رغم أصوات يهودية وازنة في حركة ناطوري كارتا تعترض هذا التوغل نحو كارثة.
يهودية إسرائيل والحال وصفة علاجية إمبريالية تحتضنها الولايات المتحدة لانقاذ حياة المشروع الصهيوني من أزمته التاريخية.
والمرتهنون العرب لأميركا يسيئون قراءة الوقائع فيغرقون في لجة التفاصيل والجزئيات فيصابون بالدوار والعجز عن إدراك أن مصلحة الولايات المتحدة عند العرب محروسة بقوة العمى عن تعبير الطبيعة الإمبريالية الواحدة الناظمة لعلاقة أميركا بـ إسرائيليها، فيلهثون ويريدون لعرب الممانعة والمقاومة أن يلهثوا معهم في توخي ضغط أميركي على إسرائيل.
إن هذا العمل ينشئ فساداً في قراءة يهودية إسرائيل وفي مقاربة خطرها الجسيم على العرب كلهم جراء تخطي المعطيات الملموسة لحقيقة أن إسرائيل كيان عنصري استعماري صهيوني وليس يهودياً.
صحيفة الثورة- بقلم: علي الصيوان