«موسم الهرولة» الغربية يتواصل.. أوباما «يتغزل» بالهند.. وكاميرون يزايد عليه و«يخطب ود» الصين
تشرق الشمس ومنذ بدء الخليقة من شرق الأرض.. وتغرب في غربها.. لكن شمس الاقتصاد أصبحت في القرون الأخيرة تشرق من الغرب.. لكن يبدو أن الوضع يتجه للتغيير، حيث تتزحزح الشمس بشكل سريع، لتشرق ربما خلال عقود قليلة من الشرق! وتدعم هذا التحول الكبير أرقام النمو المذهلة التي تحققها دول الجزء الشرقي من العالم، خاصة الأدنى منه، وفي مقدمتها «العملاقان الزاحفان» الصين والهند، بمعدل نمو يتجاوز أحيانا 10 في المائة بالنسبة للأولى، التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، متجاوزة الجارة اليابان، التي وإن كانت تحسب على الشرق، فإن اقتصادا أشبه لا يسجل ذلك النمو، فهو أقرب إلى «مراوحة مكانه»، وبينما ضربت الأزمة المالية العالمية، التي تفجرت في 2007، وبلغت ذروتها في 2008، اقتصادات الدول الغربية وأدخلتها في نفق ركود مظلم، بدأت تخرج منه بالكاد، على الرغم من أن مخاوف العودة إليه لم تتبدد تماما، فإن اقتصاد الصين والهند مثلا كانا أقل تأثرا. وترى الدول الغربية خيرا في العملاقين الصين والهند، لاقتصادهما الصاعدين وأيضا للإمكانيات الكبيرة لسوقيهما. فالبلدان يعتبران أكبر بلدان العالم من حيث عدد السكان، ويتوقع أن يبلغ عدد الطبقة المتوسطة فقط في كلا البلدين مئات الملايين، أي بما يضاهي حتى عدد سكان الولايات المتحدة بكاملهم، وكل أوروبا! وفي هذا الإطار، وفيما يشبه التسابق لـ«خطب ود» البلدين، زار الرئيس الأميركي باراك أوباما الهند باحثا عن «بارقة أمل» أو «ضوء نجاة» من النفق الذي دخله الاقتصاد الأميركي، ودفع أوباما وحزبه ثمنه في انتخابات التجديد النصفي بداية هذا الشهر. وأغدق أوباما في الإطراء ومدح الهند وحتى «التغزل» بها! وقال خلال زيارة دولة استمرت ثلاثة أيام: «إن الهند ليست مجرد قوة ناشئة.. لقد باتت قوة عالمية». وحاول أوباما حتى «إرسال رسالة مشفرة» إلى الصين بالقول ردا على أولئك الذين يعتقدون أن «مجموعة الاثنين» المكونة من واشنطن وبكين ستشكل المحور العالمي الجديد «وأن الشراكة بين الولايات المتحدة والهند ستكون إحدى الشراكات الجوهرية في القرن الحادي والعشرين». وفي المقابل بدأ، أمس، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، زيارة للصين تستمر 36 ساعة، قبل أن يتوجه إلى قمة العشرين. وكان كاميرون على رأس وفد تجاري هو الأكبر في تاريخ بريطانيا.. وفيما يشبه حتى المزايدة على أوباما، صرح كاميرون للصحافيين بعد وصوله إلى بكين قائلا: «أريد إقامة روابط لبريطانيا بأسرع الدول نموا وأسرع المناطق نموا في العالم. ولذلك فأنا فخور بإحضارنا وفدا كبيرا حقا هنا.. أكبر حتى من الوفد الذي أخذناه إلى الهند»! وفي هذا السياق أكد لـ«الشرق الأوسط» البروفسور إيريك بان، الخبير الاقتصادي، والباحث بمعهد الشؤون الدولية تشاتهام هاوس في لندن: «إنه إذا كانت زيارة كاميرون للصين تركز على الجانب الاقتصادي، فإن زيارة أوباما للهند فيها شقان اقتصادي وسياسي كذلك، حيث تحاول جعل الهند عامل ثقل اقتصادي وسياسي لموازنة الصعود الصاروخي للصين».وعلى الرغم من الصعود الكبير للصين والهند، فإن البروفسور يرى أن «البلدين يواجهان تحديات كبيرة مثل الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي (بالنسبة للصين) والبيروقراطية والفوارق الاجتماعية (بالنسبة للهند)».. ولكنه يعتقد أن الصين والهند إذا ما استطاعتا تجاوز هذه التحديات، وإذا توافرت الظروف الدولية المناسبة بعدم وجود نزاعات تحيد اقتصاد البلدين عن سكتيهما «فبإمكانهما أن يصبحا ضمن نادي الكبار خلال عقود قصيرة، وربما حتى خلال العشرين السنة المقبلة».
واعتبر البروفسور أن الصين، وهي الاقتصاد الأكبر، أشبه بـ«مراهق يعرف جسمه نموا كبيرا، ولكنه غير متوازن!»، وأكد أن «الولايات المتحدة ستستعيد قوتها الاقتصادية، وأنها إن لم تكن القوة الكبرى في العالم، فإنها ستبقى لاعبا كبيرا في الاقتصاد العالمي».
وفي بكين قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس إنه يسعى لمضاعفة حجم التجارة الثنائية مع الصين لأكثر من 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2015. ووصل كاميرون إلى العاصمة الصينية أمس على رأس وفد تجاري بارز في أول زيارة رسمية يقوم بها إلى الصين منذ توليه منصبه في مايو (أيار) الماضي.
وفي مقال في صحيفة «وول ستريت جورنال» دعا كاميرون أيضا إلى تحقيق تقدم في جولة الدوحة لمحادثات التجارة العالمية. وتأتي زيارته التي تستمر قبل قمة تعقدها مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية هذا الأسبوع. وكتب كاميرون عن المحادثات التجارية المتعثرة «ينبغي إبرام الصفقة في العام المقبل وهذا يعني ضرورة العمل الآن». وترى بريطانيا أن التوصل لاتفاق تجاري سبيل لانطلاق النمو في وقت يشهد تقلصا في ميزانيات الدول وخيارات محدودة في السياسات النقدية. وقال رئيس الوزراء البريطاني إنه يريد أن تبلغ قيمة صادرات بلاده إلى الصين 30 مليار دولار من المائة مليار دولار المستهدفة بحلول عام 2015. وصدرت بريطانيا ما قيمته 7.7 مليار جنيه إسترليني (12.4 مليار دولار) من السلع والخدمات إلى الصين في 2009، في حين بلغت قيمة وارداتها 25.4 مليار إسترليني، وهو ما يمثل عجزا تجاريا ضخما مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقال كاميرون في مجموعة من المقابلات مع وسائل إعلام بريطانية، بعد وصوله إلى بكين: «نريد علاقة اقتصادية وتجارية أقوى مع الصين. نحن خامس أكبر اقتصاد في العالم، لكن سلعنا تمثل اثنين في المائة فقط من واردات الصين».
وتتنافس بريطانيا مع الدول الغربية الأخرى على بيع المزيد للصين وشعبها الكبير. ويرأس كاميرون أكبر وفد تجاري بريطاني على الإطلاق يزور الصين، ويضم أكثر من 40 من زعماء قطاع الأعمال البريطاني الساعين إلى صفقات تعوضهم عن تلك التي خسروها، نتيجة خفض الإنفاق الحكومي في الداخل. وأعلن عن عدد من الصفقات الصغيرة نسبيا. وعبر كاميرون عن أمله في توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات أثناء زيارته. وأضاف أن الشركات البريطانية ضمنت أيضا أعمالا بقيمة خمسة مليارات دولار في إطار صفقة وقعتها الصين مع شركة «آيرباص» الأوروبية لصناعة الطائرات في فرنسا الأسبوع الماضي. ومن بين الشركات البريطانية الحاضرة بقوة في الصين سلسلة «تسكو» البريطانية لمتاجر التجزئة.
وتعتزم «تسكو» استثمار ثلاثة مليارات دولار في بناء مجمعات جديدة للتسوق في الصين على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. وأعلنت دار «بيرسون» البريطانية لطباعة الكتب التعليمية أمس أيضا عن خطط لفتح 50 مركزا جديدا لتعليم اللغة الإنجليزية في الصين، وهو ما سيوفر ما يصل إلى ألفي فرصة عمل. وفي المقابل ترى الهند، مدفوعة باعتراف الرئيس الأميركي باراك أوباما بها، قوة عالمية كبرى في زيارات رؤساء الدول المتتالية إلى نيودلهي هذا العام تأكيدا على مكانتها الجديدة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي. واعتبر أوباما خلال زيارة دولة استمرت ثلاثة أيام «أن الهند ليست مجرد قوة ناشئة، لقد باتت قوة عالمية». وشكل هذا الإعلان، بحسب تحليل لوكالة الصحافة الفرنسية، تكريسا لدور هذا البلد الذي يكافح شعورا بالنقص فاقمه تنظيمه الكارثي لألعاب الكومنولث ومقارنته نفسه باستمرار بمنافسته القوية الصين. وأعلن أوباما في هذا السياق أنه يدعم طموحات الهند في شغل مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وهذا الدعم لحيازة موقع على طاولة الكبار حتى وإن بقي ضبابيا ودون تحقق ملموس في الأفق المنظور! اعتبر في الهند بداية «شراكة (جديدة) بين متساويين». وبعد زيارة رئيس أقوى دولة في العالم! تستعد الخارجية الهندية لاستقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بداية ديسمبر (كانون الأول) ثم رئيس الوزراء الصيني هو جينتاو والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف. واعتبر أنان ماهيندرا، الذي يدير مجمع «ماهيندرا وماهيندرا» في حوار تلفزيوني على قناة «إن دي تي في» الهندية «أن زمن تلازم تعريف الهند مع الفقر قد ولى». وأضاف أن نمو اقتصاد الهند منحها وزنا دبلوماسيا مما يعني أنها ستتمكن من التعامل بندية مع قوى أخرى، وإن تطلب الأمر تنازلات. وقال ماهيندرا: «في الماضي كانت صورة الهند تتمثل في طفل يموت جوعا ويده ممدودة. أما اليوم فإن الآخر هو من يأتي ليمد يده» للهند. وأضاف بفخر أن التقاء الاستقرار السياسي ضمن نظام ديمقراطي ونمو سياسي يشبه نموها الاقتصادي الذي بلغ 9 في المائة قبل الأزمة المالية يشكل «مزيجا بالغ الجاذبية». ويعجب الدول الغربية أن تركز على القيم المشتركة مع أكبر ديمقراطية في العالم بعكس الصين، وهي ترنو إلى سوقها المغرية غير المتطورة بعد، سواء في مجال الاتصالات أو السيارات أو تجارة التوزيع الواسع للمنتجات. وتأمل روسيا وفرنسا في توقيع عقود مهمة في مجال الدفاع، في سياق تحديث الجيش الهندي ضمن برنامج تجهيز وصفه مكتب «كي بي إم جي» الاستشاري بأنه «الأكبر في العالم». غير أن سودوير ديفاري من المجلس الهندي لعالم الأعمال وهو مركز بحثي يرى أن بلوغ الهند مرحلة القوة العالمية لا يزال «سابقا لأوانه» بالنظر إلى حجم التحديات التي لا يزال يتعين عليها خوضها. وأوضح «هناك تحول اقتصادي واجتماعي جار. وفي الكثير من المجالات تحاول الهند الخروج من فترة تخلف طويلة جدا». وأضاف «أن الهند تسعى لأن تبرز (كقوة عالمية) غير أن الطريق أمامها لا يزال طويلا». كما أن استقرار البلاد يتأثر بتمرد كشمير وتمرد «ماوي». في الكثير من الولايات الهندية لم تتمكن الحكومة من اجتثاث العنف فيها. ولا يزال نحو 400 مليون هندي محرومين من الكهرباء ومستوى العيش في بعض ولايات الهند أسوأ من مستوى العيش في بلدان جنوب الصحراء الأفريقية.
لندن: جمال الدين طالب